الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين أن الدعوة إلى الله أعظم المناصب، وأشرف المراتب، وبين أنها إنما تحصل ببيان دلائل التوحيد التي من أعظمها البعث، وبينه إلى أن كان بهذا الحد من الوضوح، كان مجز التهديد من أعرض عن قبوله: فقال في عبارة عامة له ولغيره، مؤكدا تنبيها على أن فعلهم فعل من يظن أنه سبحانه لا يطلع على أعماله: إن الذين يلحدون أي يميلون بصرف المعاني عن القصد وسنن العدل بنحو قولهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى أو يماحلون باللغو بالمكاء والتصدية وغير ذلك من أنواع اللغط وكل ما يشمله معنى الميل عما تصح إرادته.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الاجتراء على الإلحاد قادحا في الاعتراف بالعظمة، أعاد مظهرها فقال: في آياتنا على ما لها من العظمة الدالة على ما لنا [ ص: 199 ] من الوحدانية وشمول العلم وتمام القدرة: ولما كان العلم بالإساءة مع القدرة سببا للأخذ، قال مقررا للعلم بعد تقرير القدرة: لا يخفون علينا أي في وقت من الأوقات ولا وجه من الوجوه، ونحن قادرون على أخذهم، فمتى شئنا أخذنا، ولا يعجل إلا ناقص يخشى الفوت.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الإلحاد سببا لإلقاء صاحبه في النار، وكان التقدير: ونحن نحلم عن العصاة فمن رجع إلينا أمن كل مخوف، ومن أعرض إلى الممات ألقيناه في النار، سبب عنه قوله تعالى: أفمن يلقى في النار أي على وجهه بأيسر أمر بسبب إلحاده في الآيات وإعراضه عن الدلالات الواضحات، فيكون خائفا يوم القيامة لما يرى من مقدمات ذلك حتى يدهمه ما خاف منه خير أم من يأتي إلينا آمنا يوم القيامة حين نجمع عبادنا للعرض علينا للحكم بينهم بالعدل فيدخل الجنة دار السلام فيدوم أمنه، والآية من الاحتباك: ذكر الإلقاء في النار أولا دليلا على دخول الجنة ثانيا، والأمن ثانيا دليلا على الخوف أولا، وسره أنه ذكر المقصود بالذات، وهو ما وقع الخوف لأجله أولا، والأمن الذي هو العيش في الحقيقة ثانيا. [ ص: 200 ] ولما كان هذا رادا ولا بد للعاقل عن سوء أعماله إلى الإحسان رجاء إنعام الله وإفضاله، أنتج قوله مهددا ومخوفا ومتوعدا صارفا القول عن الغيبة إلى الخطاب لأنه أدل على الغضب على التمادي بعد هذا البيان: اعملوا ما شئتم أي فقد علمتم مصير المسيء والمحسن، فمن أراد شيئا من الجزاءين فليعمل أعماله، فإنه ملاقيه. ولما كان العامل لا يطمع في الإهمال إلى على تقدير خفاء الأعمال، والمعمول له لا يترك الجزاء إلا لجهل أو عجز، بين أنه سبحانه محيط العلم عالم بمثاقيل الذر فقال مرغبا مرهبا مؤكدا لأنهم يعملون عمل من يظن أن أعماله تخفى، عادلا عن مظهر العظمة إلى ما هو أدل شيء على الفردانية، لئلا يظن أن مزيد العلم بواسطة كثيرة: إنه وقدم أعمالهم تنبيها على الاهتمام بشأنها جدا فقال: بما تعملون أي في كل وقت بصير بصرا وعلما، فهو على كل شيء منكم قدير.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية