الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شرع

                                                          شرع : شرع الوارد يشرع شرعا وشروعا : تناول الماء بفيه . وشرعت الدواب في الماء تشرع شرعا وشروعا أي دخلت . دواب شروع وشرع : شرعت نحو الماء . والشريعة والشراع والمشرعة : المواضع التي ينحدر إلى الماء منها ، قال الليث : وبها سمي ما شرع الله للعباد شريعة في الصوم والصلاة والحج والنكاح وغيره . والشرعة والشريعة في كلام العرب : مشرعة الماء ، وهي مورد الشاربة التي يشرعها الناس فيشربون منها ويستقون ، وربما شرعوها دوابهم حتى تشرعها وتشرب منها ، والعرب لا تسميها شريعة حتى يكون الماء عدا لا انقطاع له ، ويكون ظاهرا معينا لا يسقى بالرشاء ، وإذا كان من السماء والأمطار فهو الكرع ، وقد أكرعوه إبلهم فكرعت فيه وسقوها بالكرع وهو مذكور في موضعه . وشرع إبله وشرعها : أوردها شريعة الماء فشربت ولم يستق لها . وفي المثل : أهون السقي التشريع ; وذلك لأن مورد الإبل إذا ورد بها الشريعة لم يتعب في إسقاء الماء لها كما يتعب إذا كان الماء بعيدا ; ورفع إلى علي رضي الله عنه أمر رجل سافر مع أصحاب له فلم يرجع حين قفلوا إلى أهاليهم ، فاتهم أهله أصحابه فرفعوهم إلى شريح فسأل الأولياء البينة فعجزوا عن إقامتها وأخبروا عليا بحكم شريح فتمثل بقوله :


                                                          أوردها سعد وسعد مشتمل يا سعد لا تروى بهذاك الإبل



                                                          ثم قال : إن أهون السقي التشريع ، ثم فرق بينهم وسألهم واحدا واحدا ، فاعترفوا بقتله فقتلهم به ; أراد علي : أن هذا الذي فعله كان يسيرا هينا وكان نوله أن يحتاط ويمتحن بأيسر ما يحتاط في الدماء كما أن أهون السقي للإبل تشريعها الماء ، وهو أن يورد رب الإبل شريعة لا تحتاج مع ظهور مائها إلى نزع بالعلق من البئر ولا جبي في الحوض أراد أن الذي فعله شريح من طلب البينة كان هينا فأتى الأهون وترك الأحوط كما أن أهون السقي التشريع ، وإبل شروع وقد شرعت الماء فشربت قال الشماخ :


                                                          يسد به نوائب تعتريه     من الأيام كالنهل الشروع



                                                          وشرعت في هذا الأمر شروعا أي خضت . وأشرع يده في المطهرة إذا أدخلها فيها إشراعا . قال : وشرعت فيها وشرعت الإبل الماء وأشرعناها . وفي الحديث : فأشرع ناقته أي أدخلها في شريعة الماء . وفي حديث الوضوء : حتى أشرع في العضد أي أدخل الماء إليه . وشرعت الدابة : صارت على شريعة الماء ; قال الشماخ :

                                                          ،

                                                          فلما شرعت قصعت غليلا     فأعجلها وقد شربت غمارا



                                                          والشريعة : موضع على شاطئ البحر تشرع فيه الدواب . والشريعة والشرعة : ما سن الله من الدين وأمر به كالصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر أعمال البر مشتق من شاطئ البحر ; عن كراع ; ومنه قوله تعالى : ثم جعلناك على شريعة من الأمر ، وقوله تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا قيل في تفسيره : الشرعة الدين ، والمنهاج الطريق ، وقيل : الشرعة والمنهاج جميعا الطريق ، والطريق ههنا الدين ، ولكن اللفظ إذا اختلف أتى به بألفاظ يؤكد بها القصة والأمر كما قال عنترة :


                                                          أقوى وأقفر بعد أم الهيثم



                                                          فمعنى أقوى وأقفر واحد على الخلوة إلا أن اللفظين أوكد في الخلوة . وقال محمد بن يزيد : شرعة معناها ابتداء الطريق ، والمنهاج الطريق المستقيم . وقال ابن عباس : شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة ، وقال قتادة : شرعة ومنهاجا ، الدين واحد والشريعة مختلفة . وقال الفراء في قوله تعالى : ثم جعلناك على شريعة : على دين وملة ومنهاج ، وكل ذلك يقال . وقال القتيبي : على شريعة على مثال ومذهب . ومنه يقال : شرع فلان في كذا وكذا إذا أخذ فيه ; ومنه مشارع الماء ، وهي الفرض التي تشرع فيها الواردة . ويقال : فلان يشترع شرعته ويفتطر فطرته ويمتل ملته ، كل ذلك من شرعة الدين وفطرته وملته . وشرع الدين يشرعه شرعا : سنه . وفي التنزيل : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ; قال ابن الأعرابي : شرع أي أظهر ، وقال في قوله تعالى : شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ; قال : أظهروا لهم . والشارع الرباني : وهو العالم العامل المعلم . وشرع فلان إذا أظهر الحق وقمع الباطل . قال الأزهري : معنى شرع بين وأوضح مأخوذ من شرع الإهاب إذا شق ولم يزقق ، أي جعل زقا ولم يرجل ، وهذه ضروب من السلخ معروفة أوسعها وأبينها الشرع ، قال : وإذا أرادوا أن يجعلوها زقا سلخوها من قبل قفاها ولا يشقوها شقا وقيل في قوله عز وجل : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا : إن نوحا أول من أتى بتحريم البنات والأخوات والأمهات . وقوله عز وجل : والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى أي وشرع لكم ما أوحينا إليك وما وصينا به الأنبياء قبلك . والشرعة : العادة . وهذا شرعة ذلك أي مثاله ; وأنشد الخليل يذم رجلا :


                                                          كفاك لم تخلقا للندى     ولم يك لؤمهما بدعه
                                                          فكف عن الخير مقبوضة     كما حط عن مائة سبعه
                                                          وأخرى ثلاثة آلافها     وتسعمئيها لها شرعه

                                                          وهذا شرع هذا ، وهما شرعان أي مثلان . والشارع : الطريق الأعظم الذي يشرع فيه الناس عامة وهو على هذا المعنى ذو شرع من الخلق يشرعون فيه . ودور شارعة إذا كانت أبوابها شارعة في الطريق . وقال ابن دريد : دور شوارع على نهج واحد . وشرع المنزل إذا كان على طريق نافذ . وفي الحديث : كانت الأبواب شارعة إلى المسجد أي مفتوحة إليه . يقال : شرعت الباب إلى الطريق أي أنفذته إليه . وشرع الباب والدار شروعا أفضى إلى الطريق ، وأشرعه إليه والشوارع من [ ص: 60 ] النجوم : الدانية من المغيب . وكل دان من شيء فهو شارع . وقد شرع له ذلك ، وكذلك الدار الشارعة التي قد دنت من الطريق وقربت من الناس ، وهذا كله راجع إلى شيء واحد إلى القرب من الشيء والإشراف عليه . وأشرع نحوه الرمح والسيف وشرعهما : أقبلهما إياه وسددهما له ، فشرعت ، وهي شوارع ; وأنشد :


                                                          أفاجوا من رماح الخط لما     رأونا قد شرعناها نهالا



                                                          وشرع الرمح والسيف أنفسهما قال :


                                                          غداة تعاورته ثم بيض     شرعن إليه في الرهج المكن



                                                          وقال عبد الله بن أبي أوفى يهجو امرأة :


                                                          وليست بتاركة محرما     ولو حف بالأسل الشرع



                                                          ورمح شراعي أي طويل ، وهو منسوب . والشرعة : الوتر الرقيق ، وقيل : هو الوتر ما دام مشدودا على القوس ، وقيل : هو الوتر مشدودا كان على القوس أو غير مشدود ، وقيل : ما دامت مشدودة على قوس أو عود وجمعه شرع على التكسير ، وشرع على الجمع الذي لا يفارق واحده إلا بالهاء ، وشراع جمع الجمع ; قال الشاعر :


                                                          كما أزهرت قينة بالشراع     لإسوارها عل منه اصطباحا



                                                          وقال ساعدة بن جؤية :


                                                          وعاودني ديني فبت كأنما     خلال ضلوع الصدر شرع ممدد



                                                          ذكر ; لأن الجمع الذي لا يفارق واحده إلا بالهاء لك تذكيره وتأنيثه ; يقول : بت كأن في صدري عودا من الدوي الذي فيه من الهموم ، وقيل : شرعة وثلاث شرع ، والكثير شرع ; قال ابن سيده : ولا يعجبني على أن أبا عبيد قد قاله . والشراع : كالشرعة ، وجمعه شرع ; قال كثير :


                                                          إلا الظباء بها كأن تريبها     ضرب الشراع نواحي الشريان



                                                          يعني ضرب الوتر سيتي القوس . وفي الحديث : قال رجل : إني أحب الجمال حتى في شرع نعلي أي شراكها تشبيه بالشرع ، وهو وتر العود ; لأنه ممتد على وجه النعل كامتداد الوتر على العود ، والشرعة أخص منه ، وجمعهما شرع ; وقول النابغة :


                                                          كقوس الماسخي يرن فيها     من الشرعي مربوع متين



                                                          أراد الشرع فأضافه إلى نفسه ، ومثله كثير ; قال ابن سيده : هذا قول أهل اللغة وعندي أنه أراد الشرعة لا الشرع ; لأن العرب إذا أرادت الإضافة إلى الجمع فإنما ترد ذلك إلى الواحد . والشريع : الكتان وهو الأبق والزير والرازقي ، ومشاقته السبيخة . وقال ابن الأعرابي : الشراع الذي يبيع الشريع ، وهو الكتان الجيد . وشرع فلان الحبل أي أنشطه وأدخل قطريه في العروة . والأشرع الأنف : الذي امتدت أرنبته . وفي حديث صور الأنبياء عليهم السلام : شراع الأنف أي ممتد الأنف طويله . والأشرع : السقائف ، واحدتها شرعة ; قال ابن خشرم :


                                                          كأن حوطا جزاه الله مغفرة     وجنة ذات علي وأشراع



                                                          والشراع : شراع السفينة ، وهي جلولها وقلاعها ، والجمع أشرعة وشرع ; قال الطرماح : . . . . .

                                                          كأشرعة السفين

                                                          ، وفي حديث أبي موسى : بينا نحن نسير في البحر والريح طيبة والشراع مرفوع ; شراع السفينة : ما يرفع فوقها من ثوب لتدخل فيه الريح فيجريها . وشرع السفينة : جعل لها شراعا . وأشرع الشيء : رفعه جدا . وحيتان شروع : رافعة رءوسها . وقوله تعالى : إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم قيل : معناه رافعة رءوسها ، وقيل : خافضة لها للشرب ، وقيل : معناه أن حيتان البحر كانت ترد يوم السبت عنقا من البحر يتاخم أيلة ألهمها الله تعالى أنها لا تصاد يوم السبت لنهيه اليهود عن صيدها ، فلما عتوا وصادوها بحيلة توجهت لهم مسخوا قردة . وحيتان شرع أي شارعات من غمرة الماء إلى الجد . والشراع : العنق ، وربما قيل للبعير إذا رفع عنقه : رفع شراعه . والشراعية والشراعية : الناقة الطويلة العنق ; وأنشد :


                                                          شراعية الأعناق تلقى قلوصها     قد استلأت في مسك كوماء بادن



                                                          قال الأزهري : لا أدري شراعية أو شراعية ، والكسر عندي أقرب ، شبهت أعناقها بشراع السفينة لطولها يعني الإبل . ويقال للنبت إذا اعتم وشبعت منه الإبل : قد أشرعت ، وهذا نبت شراع ونحن في هذا شرع سواء وشرع واحد أي سواء لا يفوق بعضنا بعضا ، يحرك ويسكن . والجمع والتثنية والمذكر والمؤنث فيه سواء . قال الأزهري : كأنه جمع شارع أي يشرعون فيه معا . وفي الحديث : أنتم فيه شرع سواء ، أي متساوون لا فضل لأحدكم فيه على الآخر ، وهو مصدر بفتح الراء وسكونها . وشرعك هذا أي حسبك ; وقوله أنشده ثعلب :


                                                          وكان ابن أجمال إذا ما تقطعت     صدور السياط شرعهن المخوف



                                                          فسره ، فقال : إذا قطع الناس السياط على إبلهم كفى هذه أن تخوف . ورجل شرعك من رجل : كاف يجري على النكرة وصفا ; لأنه في نية الانفصال . قال سيبويه : مررت برجل شرعك فهو نعت له بكماله وبذه غيره : ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، والمعنى أنه من النحو الذي تشرع فيه وتطلبه . وأشرعني الرجل : أحسبني . ويقال : شرعك هذا أي حسبك . وفي حديث ابن مغفل : سأله غزوان عما حرم من الشراب فعرفه ، قال : فقلت : شرعي أي حسبي ; وفي المثل :


                                                          شرعك ما بلغك المحلا



                                                          أي حسبك وكافيك ، يضرب في التبليغ باليسير . والشرع : مصدر شرع الإهاب يشرعه شرعا سلخه . وقال يعقوب : إذا شق ما بين رجليه [ ص: 61 ] وسلخه ; قال : وسمعته من أم الحمارس البكرية . والشرعة : حبالة من العقب تجعل شركا يصاد به القطا ويجمع شرعا ; وقال الراعي :


                                                          من آجن الماء محفوفا به الشرع

                                                          ، وقال أبو زبيد :


                                                          أبن عريسة عنانها أشب     وعند غابتها مستورد شرع



                                                          الشرع : ما يشرع فيه . والشراعة : الجرأة . والشريع : الرجل الشجاع ; وقال أبو وجزة :


                                                          وإذا خبرتهم خبرت سماحة     وشراعة تحت الوشيج المورد



                                                          والشرع : موضع ، وكذلك الشوارع . وشريعة : ماء بعينه قريب من ضرية ; قال الراعي :


                                                          غدا قلقا تخلى الجزء منه     فيممها شريعة أو سوارا



                                                          وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          وأسمر عاتك فيه سنان     شراعي كساطعة الشعاع



                                                          قال : شراعي نسبة إلى رجل كان يعمل الأسنة كأن اسمه كان شراعا ، فيكون هذا على قياس النسب ، أو كان اسمه غير ذلك من أبنية شرع ، فهو إذا من نادر معدول النسب . والأسمر : الرمح . والعاتك : المحمر من قدمه . والشريع من الليف : ما اشتد شوكه وصلح لغلظه أن يخرز به ; قال الأزهري : سمعت ذلك من الهجريين النخليين . وفي جبال الدهناء جبل يقال له : شارع ، ذكره ذو الرمة في شعره .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية