الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 86 ] 422 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ماء الرجل وماء المرأة ، وفي عمل كل واحد منهما في الولد الذي يخلق منهما .

2659 - حدثنا محمد بن عبدة بن عبد الله بن زيد المروزي أبو بكر ، قال : حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، قال : حدثنا معاوية بن سلام ، عن أخيه زيد ، أنه سمع أبا سلام يقول : حدثني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه : أن حبرا من أحبار اليهود قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أسألك عن الولد ، فقال : ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله عز وجل ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله ، فقال اليهودي : لقد صدقت ، وإنك لنبي ، ثم انصرف فذهب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد سألني عن الذي سألني ، وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله عز وجل به .

[ ص: 87 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث أن ماء الرجل إذا علا أذكرا بإذن الله عز وجل ، وأن ماء المرأة إذا علا آنثا بإذن الله .

فقال قائل : فقد رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ماء أحدهما إذا علا ماء الآخر فعل غير هذا المعنى .

2660 - فذكر ما قد حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن أبيه ، عن مصعب بن شيبة ، عن مسافع بن عبد الله الحجبي ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء ؟ فقال : نعم ، فقالت لها عائشة : تربت يداك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعيها وهل يكون الشبه إلا من ذلك ؟ إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبهه .

[ ص: 88 ]

2661 - وما قد حدثنا محمد بن عمر بن يونس ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب ، عن أم سلمة قالت : جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن الله لا يستحيي من الحق ، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأت الماء ، وغطت أم سلمة وجهها ، وقالت : يا رسول الله ، أوتحتلم المرأة ؟ فقال : تربت يداك ، بم يشبهها ولدها ؟ .

2662 - وما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : أنبأنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، عن أم سلمة أن أم سليم امرأة أبي طلحة قالت : يا رسول الله ، هل على المرأة ترى زوجها في المنام يقع عليها غسل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، إذا رأت بللا ، فقالت أم سلمة : يا رسول الله ، وتفعل ذلك المرأة ؟ فقال : ترب جبينك ، فأنى يكون شبه الخؤولة إلا من ذلك ؟ أي النطفتين سبقت إلى الرحم غلبت على الشبه .

[ ص: 89 ] قال : ففي هذا الحديث أنه إذا علا ماء أحدهما ماء الآخر كان الشبه له ، وهذا خلاف الإذكار والإيناث .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن هذا الذي ذكره غير مخالف لما ذكرناه في الفصل الأول من هذا الباب ؛ لأن الذي في الفصل الأول الذي ذكرناه في أول هذا الباب من الإذكار والإيناث هو بالعلو من أحد الماءين للآخر في الرحم ، والذي في الفصل الثاني هو بالسبق في أحد الماءين الماء الآخر ، ويكون الشبه له والخلق ، فلا يكون منه خاصة إنما يكون منه ومن الماء الآخر ، فإذا كان الماء الآخر كان الشبه له ، وقد تقدمه قبل ذلك تقدير الله عز وجل ما قدر فيه من التذكير والتأنيث ، فكان كل واحد من هذين المعنيين غير المعنى الآخر في أحدهما في سبب التذكير والتأنيث ، وفي الآخر منهما سبب الشبه ، والله نسأله التوفيق .

[ ص: 90 ] [ ص: 91 ] فإن قال قائل : فإن في حديث عائشة الذي قد رويته في هذا الفصل : إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبهه ، قيل له هكذا في هذا الحديث ، وأصحاب الحديث ليس حديث مصعب بن شيبة عندهم بالقوي ، ولكن الذي في حديث المقبري : أي النطفتين سبقت إلى الرحم غلبت إلى الشبه هو الصحيح عندهم ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية