الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 473 ] آ . (165) قوله تعالى : أولما أصابتكم : الهمزة للإنكار ، وجعلها ابن عطية للتقرير ، والواو عاطفة ، والنية بها التقديم على الهمزة على ما تقرر . وقال الزمخشري : "و " "لما " نصب بقلتم ، و "أصابتكم " في محل الجر بإضافة "لما " إليه ، وتقديره ، "قلتم حين أصابتكم " و "أنى " هذا نصب لأنه مقول والهمزة للتقريع والتقرير . فإن قلت : علام عطفت الواو هذه الجملة ؟ قلت : على ما مضى من قصة أحد من قوله : ولقد صدقكم الله وعده ، ويجوز أن تكون معطوفة على محذوف تقديره : أفعلتم كذا وقلتم حينئذ كذا "انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      أما جعله " لما "بمعنى " حين "أي ظرفا فهو مذهب الفارسي ، وقد تقدم تقرير المذهبين ، وأما قوله : " عطف على قصة أحد " ؛ فهذا غير مذهبه ؛ لأن الجاري من مذهبه إنما هو تقدير جملة يعطف ما بعد الواو عليها أو الفاء أو ثم كما قرره هو في الوجه الثاني .

                                                                                                                                                                                                                                      و " أنى هذا "أنى : بمعنى " من أين "كما تقدم في قوله أنى لك هذا . ويدل عليه قوله : من عند أنفسكم و " من عند الله " قاله الزمخشري . ورد عليه الشيخ بأن الظرف إذا وقع خبرا لا يقدر داخلا عليه حرف جر غير " في " ، " أما أن يقدر داخلا عليه "من " فلا ، لأنه إنما انتصب على إسقاط "في " ولذلك إذا أضمر الظرف تعدى إليه [الفعل ] بـ "في " إلا أن يتسع فيه . قال : "فتقديره غير سائغ واستدلاله بقوله : من عند أنفسكم " من [ ص: 474 ] عند الله " وقوف مع مطابقة السؤال للجواب في اللفظ وذهول عن هذه القاعدة " . واختار الشيخ أن "أنى " بمعنى "كيف " قال : "وأنى سؤال عن الحال هنا ، ولا تناسب أن تكون بمعنى " أين "أو " متى " ؛ لأن الاستفهام لم يقع عن مكان ولا زمان هنا ، إنما وقع عن الحال التي اقتضت لهم ذلك ، سألوا عنها على سبيل التعجب ، وجاء الجواب من حيث المعنى لا من حيث اللفظ في قوله : قل هو من عند أنفسكم . قال : " والسؤال " بـ " أنى "سؤال عن تعيين كيفية حصول هذا الأمر ، والجواب بقوله : من عند أنفسكم يضمن تعيين الكيفية ، لأنه بتعيين السبب تتعين الكيفية من حيث المعنى ، لو قيل على سبيل التعجب : كيف لا يحج زيد الصالح!! فقيل في جوابه : " لعدم استطاعته "لحصل الجواب وانتظم من المعنى أنه لا يحج وهو غير مستطيع " انتهى . أما قوله : "لا يقدر الظرف بحرف جر غير " في " فالزمخشري لم يقدر " في "مع " أنى "حتى يلزمه ما قال ، إنما جعل " أنى "بمنزلة " من أين "في المعنى . وأما عدوله عن الجواب المطابق لفظا فالعكس أولى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قد أصبتم في محل رفع صفة لـ " مصيبة " . و " قلتم "على مذهب سيبويه جواب لـ " لما " ، وعلى مذهب الفارسي ناصب لها ، على حسب ما تقدم من مذهبيهما . والضمير في قوله " قل "هو راجع على المصيبة من حيث المعنى . ويجوز أن يكون على حذف مضاف مراعى أي : سببها ، وكذلك الإشارة بقوله : " أنى هذا "لأن المراد المصيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية