الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الخلفاء

                                                                                                          2223 حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا عمر بن عبيد الطنافسي عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون من بعدي اثنا عشر أميرا قال ثم تكلم بشيء لم أفهمه فسألت الذي يليني فقال كلهم من قريش قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح حدثنا أبو كريب حدثنا عمر بن عبيد عن أبيه عن أبي بكر بن أبي موسى عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا الحديث وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب يستغرب من حديث أبي بكر بن أبي موسى عن جابر بن سمرة وفي الباب عن ابن مسعود وعبد الله بن عمرو

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا عمر بن عبيد ) بن أبي أمية الطنافسي ، الكوفي ، صدوق من الثامنة .

                                                                                                          قوله : ( يكون من بعدي اثنا عشر أميرا ) وفي رواية لمسلم : إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ، وفي رواية أخرى له : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا ، وفي أخرى له : لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثنى عشر خليفة ، وفي أخرى له : لا يزال الدين قائما ، حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ووقع في حديث أبي جحيفة عند البزار والطبراني نحو حديث جابر بن سمرة بلفظ : لا يزال أمر أمتي صالحا وأخرجه أبو داود من طريق الأسود بن سعيد عن جابر بن سمرة نحوه قال : وزاد فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا : ثم يكون ماذا ؟ قال : الهرج ، وأخرجه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه بلفظ : لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة .

                                                                                                          قال القاضي عياض : توجه على هذا العدد سؤالان : أحدهما : أنه يعارضه ظاهر قوله في حديث سفينة ، يعني الذي أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره : الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا لأن الثلاثين سنة لم يكن فيها إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن بن علي ، والثاني : أنه ولي الخلافة أكثر من هذا العدد ، قال : والجواب على الأول أنه أراد في حديث سفينة خلافة النبوة ولم يقيده في حديث جابر بن سمرة بذلك ، وعن الثاني أنه لم يقل : " لا يلي إلا اثنا عشر " وإنما قال يكون اثنا عشر وقد ولي هذا العدد ولا يمنع ذلك الزيادة عليهم .

                                                                                                          قال : وهذا إن كان اللفظ واقعا على كل من ولي وإلا فيحتمل أن يكون المراد من يستحق الخلافة من أئمة العدل ، وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة ، ولا بد من تمام العدة قبل قيام الساعة ، وقد قيل إنهم يكونون في زمن واحد يفترق الناس عليهم ، وقد وقع في المائة الخامسة في الأندلس وحدها سته أنفس كلهم يتسمى بالخلافة ومعهم صاحب مصر والعباسية ببغداد إلى من كان يدعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج قال ويعضد هذا التأويل قوله في حديث آخر في مسلم ستكون خلفاء فيكثرون .

                                                                                                          قال : ويحتمل أن يكون المراد أن يكون الاثنا عشر في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة ويؤيده قوله في بعض الطرق كلهم تجتمع عليه الأمة ، وهذا قد وجد في من [ ص: 392 ] اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم وهذا العدد موجود صحيح إذا اعتبر ، قال : وقد يحتمل وجوها أخر ، والله أعلم بمراد نبيه انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ : والاحتمال الذي قبل هذا وهو اجتماع اثني عشر في عصر واحد كلهم يطلب الخلافة هو الذي اختاره كما تقدم وقد ذكرت وجه الرد عليه ولو لم يرد إلا قوله : كلهم يجتمع عليه الناس فإن في وجودهم في عصر واحد يوجد عين الافتراق ، فلا يصح أن يكون المراد انتهى ، ثم نقل الحافظ كلام ابن الجوزي عن كتابه كشف المشكل ثم قال : وينتظم من مجموع ما ذكراه ـ يعني القاضي عياض وابن الجوزي ـ أوجه أرجحها الثالث من أوجه القاضي لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة كلهم يجتمع عليه الناس وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته ، والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين فسمي معاوية يومئذ بالخلافة ، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ثم اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز ، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين ، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع عليه الناس لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين ثم قاموا عليه فقتلوه ، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان ، ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فغلبه مروان ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل ، ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه ، ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته لكن خرج عنه المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض إلى أن لم يبق من الخلافة إلا الاسم في بعض البلاد بعد أن كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقا وغربا وشمالا ويمينا مما غلب عليه المسلمون ، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلا بأمر الخليفة ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك فعلى هذا يكون المراد بقوله ثم يكون الهرج يعني القتل الناشئ عن الفتن وقوعا فاشيا يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام وكذا كان ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          [ ص: 393 ] قال الحافظ عماد الدين بن كثير في تفسيره تحت قوله تعالى وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا بعد إيراد حديث جابر بن سمرة من رواية الشيخين واللفظ لمسلم ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم ، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم بل قد وجد منهم أربعة على نسق وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة وبعض بني العباس ، ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة ، والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره أنه يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه اسم أبيه فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، وليس هذا بالمنتظر الذي يتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامرا فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية بل من هوس العقول السخيفة وتوهم الخيالات الضعيفة ، وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمة الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم ، انتهى .

                                                                                                          ( ثم تكلم ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( فسألت الذي يليني ) وفي عدة من روايات مسلم : فسألت أبي .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وأبو داود وغيرهم ( وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة ) روى مسلم في صحيحه حديث جابر هذا من عدة طرق ، قوله : ( عن أبيه ) هو عبيد بن أبي أمية الطنافسي الحنفي ويقال الإيادي مولاهم أبو الفضل اللحام الكوفي صدوق من السادسة ( عن أبي بكر بن أبي موسى ) الأشعري الكوفي اسمه عمرو أو عامر ثقة من الثالثة .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن ابن مسعود وعبد الله بن عمرو ) أما حديث ابن مسعود فأخرجه [ ص: 394 ] أحمد والبزار بسند حسن : أنه سئل كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني عنه مرفوعا : إذا ملك اثنا عشر من بني كعب بن لؤي كان النقف والنقاف قال الحافظ : والنقف ظهر لي أنه بفتح النون وسكون القاف وهو كسر الهامة عن الدماغ والنقاف بوزن فعال منه وكني بذلك عن القتل والقتال ، ويؤيده قوله في بعض طرق جابر بن سمرة ثم يكون الهرج ، وأما صاحب النهاية فضبطه بالثاء المثلثة بدل النون وفسره بالجد الشديد في الخصام ولم أر في اللغة تفسيره بذلك بل معناه الفطنة والحذق ونحو ذلك ، وفي قوله من بني كعب بن لؤي إشارة إلى كونهم من قريش ; لأن لؤيا هو ابن غالب بن فهر وفيهم جماع قريش ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية