الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما تصور بهذا قربها مشارا بالتعبير بلعل إلى أن حال المستعجل بها حال المترجي لشيء محبوب وهو جهل منه عظيم، شرع في تفصيل الناس في أمرها فقال مشيرا إلى أنه ينبغي للعاقل الاستعداد لها للخلاص في وقتها لظهور دلائلها من غير بحث عن قربها أو بعدها، فإنه لا بد [ ص: 283 ] من كونها يستعجل بها أي يطلب أن تكون قبل الوقت المضروب لها الذين لا يؤمنون بها أي لا يتجدد لهم ذلك أصلا وهم غير مشفقين منها ويظنون أنها الباطل، وكان الحال يقتضي أن يكونوا أنفر الناس منها لكن حملهم على ذلك تكذيبهم بها واستهزاؤهم وظنهم عدم كونها جهلا ممن هم معترفون بقدرته وعلوه وعظمته.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما دل على جهل الكافرين، دل على أضدادهم فقال: والذين آمنوا وإن كانوا في أول درجات الإيمان مشفقون أي خائفون خوفا عظيما منها لأن الله هداهم بإيمانهم، فصارت صدورهم معادن المعارف، وقلوبهم منابع الأنوار، فأيقنوا بما فيها من الأهوال الكبار، فخافوا للطافتهم أن يكونوا مع صلاحهم من أهل النار. ولما قدم الإشفاق تنبيها على أن العاقل ينبغي أن يخشى ما يمكن وقوعه، قال: ويعلمون أنها الحق إعلاما بأنهم على بصيرة من أمرها، فهم لا يستعجلون بها، فالآية من الاحتباك: ذكر الاستعجال أولا دليلا على حذف ضده ثانيا، والإشفاق ثانيا دليلا على حذف ضده أولا. قال ابن كثير : وقد روي من طرق تبلغ درجة التواتر في الصحاح والحسان والسنن والمسانيد "أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 284 ] بصوت جهوري وهو في بعض أسفاره فناداه: يا محمد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من صوته" هاؤم "فقال: متى الساعة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه:" ويحك إنها كائنة فما أعددت لها؟ "فقال: حب الله ورسوله، فقال:" أنت مع من أحببت " قال ابن كثير : فقوله في الحديث" المرء مع من أحب " متواتر لا محالة، والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة، بل أمره بالاستعداد لها - انتهى، وهو مشروط بالبراءة من أعداء الله بدليل قصة أبي طالب فإنه لم ينفعه حب الولي نفعا تاما بدون البراءة من العدو.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أعلم بتعريف الحق أنها ثابتة ثباتا كاملا لا انقضاء له أصلا ولا زوال لآثارها، أنتج قوله مؤكدا معظما في مقابلة إنكارهم: ألا إن الذين يمارون أي يظهرون شكهم في معرض اللجاجة الشديدة طلبا لظهور شك غيرهم من: مريت الناقة - إذا مسحت ضرعها بشدة للحلب لتستخرج ما عساه يكون فيها من اللبن في الساعة أي القيامة وما تحتوي عليه لفي ضلال أي ذهاب جائر عن الحق [ ص: 285 ] بعيد جدا عن الصواب، فإن لها من الأدلة الظاهرة في العقل المؤيد بجازم النقل ما ألحقها حال غيابها بالمحسوسات لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية