الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فهذه أيضا فائدة لا ينكرها من جرب إتعاب نفسه في الأفكار والأذكار وصنوف الأعمال وهي خارجة عن الفائدتين السابقتين حتى إنها تطرد في حق الممسوح ومن لا شهوة له إلا أن هذه الفائدة تجعل للنكاح فضيلة بالإضافة إلى هذه النية ، وقل من يقصد بالنكاح ذلك .

وأما قصد الولد وقصد دفع الشهوة وأمثالها فهو مما يكثر ثم رب شخص يستأنس بالنظر إلى الماء الجاري والخضرة وأمثالها ولا يحتاج إلى ترويح النفس بمحادثة النساء وملاعبتهن .

فيختلف هذا باختلاف الأحوال والأشخاص فليتنبه له .

الفائدة الرابعة : تفريغ القلب عن تدبير المنزل والتكفل بشغل الطبخ والكنس والفرش وتنظيف الأواني وتهيئة أسباب المعيشة فإن الإنسان لو لم يكن له شهوة الوقاع لتعذر عليه العيش في منزله وحده إذ لو تكفل بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته ولم يتفرغ للعلم والعمل فالمرأة الصالحة للمنزل عون على الدين بهذه الطريق واختلال هذه الأسباب شواغل ومشوشات للقلب ومنغصات للعيش ولذلك قال أبو سليمان الداراني رحمه الله : الزوجة الصالحة ليست من الدنيا فإنها تفرغك للآخرة وإنما تفريغها بتدبير المنزل وبقضاء الشهوة جميعا .

وقال محمد بن كعب القرظي في معنى قوله تعالى ربنا آتنا في الدنيا حسنة قال : المرأة الصالحة .

وقال صلى الله عليه وسلم : " ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة مؤمنة صالحة تعينه على آخرته .

فانظر كيف جمع بينها وبين الذكر والشكر .

التالي السابق


( فهذه أيضا فائدة لا ينكرها من جرب إتعاب نفسه في الأفكار والأذكار وصنوف الأعمال) الباطنة (وهي) أي: تلك الفائدة ( خارجة عن الفائدتين السابقتين حتى أنها لتطرد في حق الممسوح) أي: الخصي والمجبوب ( ومن لا شهوة له) كالعنين ونحوه ، ( إلا أن هذه الفائدة تجعل النكاح فضيلة زائدة بالإضافة إلى هذه النية، وقل من يقصد بالنكاح ذلك) ولا يحوم حوله، ( وأما الولد) أي: حصوله ( وقصد دفع الشهوة مما يكثر) وقوعه ( ثم رب شخص يستأنس بالنظر إلى الماء الجاري) ، ويستروح بخريره والخضرة من النباتات والأشجار أو من الألوان ما كانت على هيئاتها ( وأمثالها ولا يحتاج إلى ترويح النفس بمحادثة النساء وملاعبتهن) بل ربما يحصل له الانقباض من ذلك، ( فيختلف هذا باختلاف الأحوال والأشخاص) ، فرب امرأة حسناء خلقا وخلقا محادثتها تروح نفس الشخص ، ورب حسناء خلقا لا خلقا فتشمئز من محادثتها النفس ، ورب حسناء خلقا شوهاء خلقا لا تميل لها النفوس ، ورب شخص مطبوع على شدة وقساوة لا يميل إلى شيء من ذلك، ولو كانت امرأته مكملة صورة ومعنى ، فهذا معنى قوله: باختلاف الأحوال والأشخاص ، والحاصل أن عادم الاسترواح إليهن فاسد التركيب رديء المزاج يحتاج إلى العلاج ولا يعبأ باسترواحه بالنظر إلى الخضرة والماء الجاري ، فإن الاسترواح إلى النساء هو الأصل وما عداه بواعث عليه. ( فليتنبه له) فإنه دقيق .



( الفائدة الرابعة: تفريغ القلب عن) ما يشغله من الأمور الظاهرة الملازمة التي لا ينفك عنها الإنسان مثل ( تدبير) أمور ( المنزل) الجزئية والكلية ، ( والتكلف بشغل الطبخ) للطعام ( والكنس) أي: كنس المنزل عن التراب والغبار والعنكبوت ، فقد وصفت أم زرع جاريته بأنها لا تعثث ميرتنا تعثيثا ولا تملأ بيتنا تعشيشا. أي: لا تترك الكناسة والقمامة فيه كعش الطائر بل تصلحه وتنظفه، ( والفرش) أي: فرش الحصير وغيره ( وتنظيف الأواني) بغسلها بالماء ( وتهيئة أسباب المعاش) من كل ما لا يليق بها، ( فإن الإنسان لو لم تكن له شهوة الوقاع لتعذر عليه العيش في منزله وحده إذا لو تكلف بجميع أشغال المنزل) من كنس وفرش وطبخ وغسل ( لضاعت أكثر أوقاته) في تدبير أمور المنزل ( ولم يتفرغ للعلم والعمل) لعدم اجتماع حواسه ، ( فالمرأة الصالحة للمنزل عون على الدين) أي: على تحصيل أموره ( بهذا الطريق) ، والمرء بنفسه عاجز في الجملة ( واختلاف هذه الأسباب شواغل) ظاهرية ( ومشوشات) باطنية ( للقلب ومنغصات للعيش) في الغالب ( ولذلك قال أبو سليمان الداراني -رحمه الله تعالى -: الزوجة الصالحة ليست من الدنيا فإنها تفرغك للآخرة) نقله صاحب "القوت "، أي: ليست معدودة من جملة الدنيا بالنسبة لتفريغ قلب زوجها فيشتغل بما يقربه إلى الله تعالى وما يعين على الآخرة فهو من أمور الآخرة. قال صاحب "القوت ": إلا أنه كان يقول: المنفرد يجد من حلاوة العبادة ما لا يجد المتزوج، وقد تقدم هذا القول آنفا ، ( وإنما تفريغها بتدبير المنزل وبقضاء الشهوة جميعا) لأن كلا من المعنيين يحتمله كلام أبي سليمان .

( وقال محمد بن كعب القرظي) التابعي -رحمه الله تعالى - ( في معنى قوله تعالى ربنا آتنا في الدنيا حسنة قال: المرأة الصالحة) ، نقله صاحب "القوت " ، وروى مثل ذلك عن الحسن البصري وغيره .

( وقال -صلى الله عليه وسلم- : " ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة مؤمنة تعينه على آخرته) كذا في القوت [ ص: 313 ] وفي رواية: " على أمر الآخرة " قاله لما نزل في الذهب والفضة ما نزل فقالوا: فأي مال نتخذه ؟ فذكره، قال المصنف فيما سيأتي: فأمر باقتناء القلب الشاكر وما معه بدلا عن المال. ( فانظر كيف جمع بينها وبين الذكر والشكر) ، والحديث قال العراقي : رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه واللفظ له من حديث ثوبان وفيه انقطاع. اهـ .

قلت: ورواه كذلك أحمد وأبو نعيم في الحلية: قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ، حدثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا جرير بن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ثوبان قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسير يسير ونحن معه إذ قال المهاجرون لو نعلم أي المال خير إذ أنزل في الذهب والفضة ما أنزل ؟ فقال عمر: إن شئتم سألت لكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك. فقالوا: أجل ، فانطلق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاتبعته على قعود لي فقال: يا رسول الله إن المهاجرين لما نزل في الذهب والفضة ما نزل قالوا: لو علمنا الآن أي المال خير ؟ فقال: " ليتخذ أحدكم لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على إيمانه ". رواه أبو الأحوص وإسرائيل عن منصور مثله .

ورواه عمر بن مرة ، عن سالم ، حدثنا أبو بكر بن مالك ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، حدثنا عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن أبيه سالم بن أبي الجعد ، عن ثوبان قال: لما نزل في الفضة والذهب ما نزل قالوا: فأي المال نتخذ ؟ قال عمر: أنا أعلم لكم فأوضع على بعيره فأدركه وأنا في أثره فقال: يا رسول الله أي المال نتخذ ؟ فقال: " ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة تعينه على الآخرة ". رواه الأعمش عن سالم نحوه. اهـ .




الخدمات العلمية