الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شطر

                                                          شطر : الشطر : نصف الشيء ، والجمع أشطر وشطور . وشطرته : جعلته نصفين . وفي المثل : أحلب حلبا لك شطره : وشاطره ماله : ناصفه ، وفي المحكم : أمسك شطره وأعطاه شطره الآخر . وسئل مالك بن أنس : من أين شاطر عمر بن الخطاب عماله ؟ فقال : أموال كثيرة ظهرت لهم . وإن أبا المختار الكلابي كتب إليه :


                                                          نحج إذا حجوا ونغزو إذا غزوا فإني لهم وفر ولست بذي وفر     إذا التاجر الداري جاء بفأرة
                                                          من المسك راحت في مفارقهم تجري     فدونك مال الله حيث وجدته
                                                          سيرضون إن شاطرتهم منك بالشطر

                                                          قال : فشاطرهم عمر - رضي الله عنه - وفي الحديث : أن سعدا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بماله قال : لا ، قال : فالشطر . قال : لا ، قال : الثلث . فقال : الثلث والثلث كثير . الشطر : النصف ونصبه بفعل مضمر أي أهب الشطر وكذلك الثلث ، وفي حديث عائشة : كان عندنا شطر من شعير . وفي الحديث : أنه رهن درعه بشطر من شعير ; قيل : أراد نصف مكوك ، وقيل : نصف وسق . ويقال : شطر وشطير مثل نصف ونصيف . وفي الحديث : الطهور شطر الإيمان ; لأن الإيمان يظهر بحاشية الباطن ، والطهور يظهر بحاشية الظاهر . وفي حديث مانع الزكاة : إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا . قال ابن الأثير : قال الحربي غلط بهز الراوي في لفظ الرواية ، إنما هو : وشطر ماله أي يجعل ماله شطرين ويتخير عليه المصدق فيأخذ الصدقة من خير النصفين عقوبة لمنعه الزكاة ، فأما من لا يلزمه فلا . قال : وقال الخطابي في قول الحربي : لا أعرف هذا الوجه ، وقيل : معناه أن الحق مستوفى منه غير متروك عليه ، وإن تلف شطر ماله كرجل كان له ألف شاة ، فتلفت حتى لم يبق له إلا عشرون ، فإنه يؤخذ منه عشر شياه لصدقة الألف وهو شطر ماله الباقي ، قال : وهذا أيضا بعيد ; لأنه قال له : إنا آخذوها وشطر ماله ، ولم يقل : إنا آخذو شطر ماله ، وقيل : إنه كان في صدر الإسلام يقع بعض العقوبات في الأموال ثم نسخ ، كقوله في الثمر [ ص: 79 ] المعلق : من خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ، وكقوله في ضالة الإبل المكتوبة : غرامتها ، ومثلها معها ، وكان عمر يحكم به فغرم حاطبا ضعف ثمن ناقة المزني لما سرقها رقيقه ونحروها ; قال : وله في الحديث نظائر ، قال : وقد أخذ أحمد بن حنبل بشيء من هذا وعمل به . وقال الشافعي في القديم : من منع زكاة ماله أخذت منه وأخذ شطر ماله عقوبة على منعه ، واستدل بهذا الحديث ، وقال في الجديد : لا يؤخذ منه إلا الزكاة لا غير ، وجعل هذا الحديث منسوخا ، وقال : كان ذلك حيث كانت العقوبات في الأموال ثم نسخت ، ومذهب عامة الفقهاء أن لا واجب على متلف الشيء أكثر من مثله أو قيمته . وللناقة شطران قادمان وآخران ، فكل خلفين شطر ، والجمع أشطر ، وشطر بناقته تشطيرا : صر خلفيها وترك خلفين ، فإن صر خلفا واحدا قيل : خلف بها فإن صر ثلاثة أخلاف قيل : ثلث بها ، فإذا صرها كلها قيل : أجمع بها وأكمش بها . وشطر الشاة : أحد خلفيها عن ابن الأعرابي ; وأنشد :


                                                          فتنازعا شطرا لقدعة واحدا     فتدارءا فيه فكان لطام

                                                          وشطر ناقته وشاته يشطرها شطرا : حلب شطرا وترك شطرا . وكل ما نصف فقد شطر . وقد شطرت طليي أي حلبت شطرا أو صررته وتركته والشطر الآخر . وشاطر طليه : احتلب شطرا أو صره وترك له الشطر الآخر . وثوب شطور : أحد طرفي عرضه أطول من الآخر يعني أن يكون كوسا بالفارسية . وشاطرني فلان المال أي قاسمني بالنصف . والمشطور من الرجز والسريع : ما ذهب شطره وهو على السلب . والشطور من الغنم : التي يبس أحد خلفيها ، ومن الإبل : التي يبس خلفان من أخلافها لأن لها أربعة أخلاف ، فإن يبس ثلاثة فهي ثلوث . وشاة شطور وقد شطرت وشطرت شطارا وهو أن يكون أحد طبييها أطول من الآخر ، فإن حلبا جميعا والخلفة كذلك سميت حضونا . وحلب فلان الدهر أشطره أي خبر ضروبه يعني أنه مر به خيره وشره وشدته ورخاؤه تشبيها بحلب جميع أخلاف الناقة ما كان منها حفلا وغير حفل ودارا وغير دار ، وأصله من أشطر الناقة ، ولها خلفان قادمان وآخران كأنه حلب القادمين ، وهما الخير والآخرين ، وهما الشر ، وكل خلفين شطر ; وقيل : أشطره درره . وفي حديث الأحنف قال ل علي عليه السلام وقت التحكيم : يا أمير المؤمنين إني قد حجمت الرجل وحلبت أشطره فوجدته قريب القعر كليل المدية ، وإنك قد رميت بحجر الأرض ; الأشطر : جمع شطر ، وهو خلف الناقة ، وجعل الأشطر موضع الشطرين كما تجعل الحواجب موضع الحاجبين ، وأراد بالرجلين الحكمين الأول أبو موسى والثاني عمرو بن العاص . وإذا كان نصف ولد الرجل ذكورا ونصفهم إناثا قيل : هم شطرة . يقال : ولد فلان شطرة بالكسر أي نصف ذكور ونصف إناث . وقدح شطران أي نصفان . وإناء شطران : بلغ الكيل شطره ، وكذلك جمجمة شطرى وقصعة شطرى . وشطر بصره يشطر شطورا وشطرا : صار كأنه ينظر إليك وإلى آخر . وقوله صلى الله عليه وسلم : من أعان على دم امرئ مسلم بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه : يائس من رحمة الله ، قيل : تفسيره هو أن يقول : أق يريد : أقتل كما قال عليه السلام : كفى بالسيف شا يريد : شاهدا ; وقيل : هو أن يشهد اثنان عليه زورا بأنه قتل ، فكأنهما قد اقتسما الكلمة ، فقال هذا شطرها وهذا شطرها إذا كان لا يقتل بشهادة أحدهما . وشطر الشيء : ناحيته . وشطر كل شيء : نحوه وقصده . وقصدت شطره أي نحوه ; قال أبو زنباع الجذامي :


                                                          أقول لأم زنباع أقيمي     صدور العيس شطر بني تميم

                                                          ، وفي التنزيل العزيز : فول وجهك شطر المسجد الحرام ولا فعل له . قال الفراء : يريد نحوه وتلقاءه ، ومثله في الكلام : ول وجهك شطره وتجاهه ; وقال الشاعر :


                                                          إن العسير به داء مخامرها     فشطرها نظر العينين محسور

                                                          ، وقال أبو إسحاق : الشطر النحو لا اختلاف بين أهل اللغة فيه . قال : ونصب قوله - عز وجل - : شطر المسجد الحرام على الظرف . وقال أبو إسحاق : أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقبل وهو ب المدينة مكة والبيت الحرام ، وأمر أن يستقبل البيت حيث كان . وشطر عن أهله شطورا وشطورة وشطارة إذا نزح عنهم وتركهم مراغما أو مخالفا وأعياهم خبثا ; والشاطر مأخوذ منه وأراه مولدا ، وقد شطر شطورا وشطارة ، وهو الذي أعيا أهله ومؤدبه خبثا . الجوهري : شطر وشطر أيضا بالضم شطارة فيهما ; قال أبو إسحاق : قول الناس فلان شاطر معناه أنه أخذ في نحو غير الاستواء ; ولذلك قيل له شاطر ; لأنه تباعد عن الاستواء . ويقال : هؤلاء القوم مشاطرونا أي دورهم تتصل بدورنا ، كما يقال : هؤلاء يناحوننا أي نحن نحوهم وهم نحونا ، فكذلك هم مشاطرونا . ونية شطور أي بعيدة . ومنزل شطير وبلد شطير وحي شطير : بعيد . والجمع شطر . ونوى شطر بالضم أي بعيدة ; قال امرؤ القيس :


                                                          أشاقك بين الخليط الشطر     وفيمن أقام من الحي هر

                                                          قال : والشطر ههنا ليس بمفرد ، وإنما هو جمع شطير والشطر في البيت بمعنى المتغربين أو المتعزبين ، وهو نعت الخليط ، والخليط : المخالط ، وهو يوصف بالجمع وبالواحد أيضا ; قال نهشل بن حري :


                                                          إن الخليط أجدوا البين فابتكروا     واهتاج شوقك أحداج لها زمر

                                                          والشطير أيضا : الغريب ، قال :


                                                          لا تدعني فيهم شطيرا     إني إذا أهلك أو أطيرا

                                                          ، وقال غسان بن وعلة :


                                                          إذا كنت في سعد وأمك منهم     شطيرا فلا يغررك خالك من سعد
                                                          وإن ابن أخت القوم مصغى إناؤه [ ص: 80 ]     إذا لم يزاحم خاله بأب جلد

                                                          يقول : لا تغتر بخئولتك فإنك منقوص الحظ ما لم تزاحم أخوالك بآباء أشراف وأعمام أعزة . والمصغى : الممال ، وإذا أميل الإناء انصب ما فيه فضربه مثلا لنقص الحظ والجمع الجمع . التهذيب : والشطير البعيد . ويقال للغريب : شطير لتباعده عن قومه . والشطر : البعد . وفي حديث القاسم بن محمد : لو أن رجلين شهدا على رجل بحق أحدهما شطير ، فإنه يحمل شهادة الآخر ; الشطير : الغريب ، وجمعه شطر ، يعني لو شهد له قريب من أب أو ابن أو أخ ومعه أجنبي صححت شهادة الأجنبي شهادة القريب ، فجعل ذلك حملا له ; قال : ولعل هذا مذهب القاسم وإلا فشهادة الأب والابن لا تقبل ; ومنه حديث قتادة : شهادة الأخ إذا كان معه شطير جازت شهادته وكذا هذا ، فإنه لا فرق بين شهادة الغريب مع الأخ أو القريب فإنها مقبولة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية