الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شعر

                                                          شعر : شعر به وشعر يشعر شعرا وشعرا وشعرة ومشعورة وشعورا وشعورة وشعرى ومشعوراء ومشعورا ; الأخيرة ; عن اللحياني ، كله : علم . وحكى اللحياني عن الكسائي : ما شعرت بمشعوره حتى جاءه فلان ، وحكى عن الكسائي أيضا : أشعر فلانا ما عمله ، وأشعر لفلان ما عمله ، وما شعرت فلانا ما عمله قال : وهو كلام العرب . وليت شعري أي ليت علمي أو ليتني علمت وليت شعري من ذلك أي ليتني شعرت ، قال سيبويه : قالوا ليت شعرتي فحذفوا التاء مع الإضافة للكثرة ، كما قالوا : ذهب بعذرتها وهو أبو عذرها فحذفوا التاء مع الأب خاصة . وحكى اللحياني عن الكسائي : ليت شعري لفلان ما صنع ، وليت شعري فلانا ما صنع ; وأنشد :


                                                          يا ليت شعري عن حماري ما صنع وعن أبي زيد وكم كان اضطجع

                                                          وأنشد :


                                                          يا ليت شعري عنكم حنيفا     وقد جدعنا منكم الأنوفا

                                                          وأنشد :


                                                          ليت شعري مسافر بن أبي عم     رو وليت يقولها المحزون

                                                          ، وفي الحديث : ليت شعري ما صنع فلان أي ليت علمي حاضر أو [ ص: 89 ] محيط بما صنع ، فحذف الخبر وهو كثير في كلامهم . وأشعره الأمر وأشعره به : أعلمه إياه . وفي التنزيل : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أي وما يدريكم . وأشعرته فشعر أي أدريته فدرى . وشعر به : عقله . وحكى اللحياني : أشعرت بفلان اطلعت عليه وأشعرت به : أطلعت عليه ، وشعر لكذا إذا فطن له ، وشعر إذا ملك عبيدا . وتقول للرجل : استشعر خشية الله أي اجعله شعار قلبك . واستشعر فلان الخوف إذا أضمره . وأشعره فلان شرا : غشيه به . ويقال : أشعره الحب مرضا . والشعر : منظوم القول غلب عليه لشرفه بالوزن والقافية ، وإن كان كل علم شعرا من حيث غلب الفقه على علم الشرع ، والعود على المندل والنجم على الثريا ، ومثل ذلك كثير وربما سموا البيت الواحد شعرا ; حكاه الأخفش ; قال ابن سيده : وهذا ليس بقوي إلا أن يكون على تسمية الجزء باسم الكل ، كقولك : الماء للجزء من الماء ، والهواء للطائفة من الهواء ، والأرض للقطعة من الأرض . وقال الأزهري : الشعر القريض المحدود بعلامات لا يجاوزها ، والجمع أشعار ، وقائله شاعر ; لأنه يشعر ما لا يشعر غيره أي يعلم . وشعر الرجل يشعر شعرا وشعرا وشعر ، وقيل : شعر قال الشعر ، وشعر أجاد الشعر ; ورجل شاعر ، والجمع شعراء . قال سيبويه : شبهوا فاعلا بفعيل كما شبهوه بفعول ، كما قالوا : صبور وصبر ، واستغنوا بفاعل عن فعيل ، وهو في أنفسهم وعلى بال من تصورهم لما كان واقعا موقعه وكسر تكسيره ليكون أمارة ودليلا على إرادته وأنه مغن عنه وبدل منه . ويقال : شعرت لفلان أي قلت له شعرا ; وأنشد :


                                                          شعرت لكم لما تبينت فضلكم     على غيركم ما سائر الناس يشعر

                                                          ، ويقال : شعر فلان وشعر يشعر شعرا وشعرا ، وهو الاسم ، وسمي شاعرا لفطنته . وما كان شاعرا ، ولقد شعر بالضم وهو يشعر . والمتشاعر : الذي يتعاطى قول الشعر . وشاعره فشعره يشعره ، بالفتح أي كان أشعر منه وغلبه . وشعر شاعر : جيد ; قال سيبويه : أرادوا به المبالغة والإشادة ، وقيل : هو بمعنى مشعور به ، والصحيح قول سيبويه ، وقد قالوا : كلمة شاعرة أي قصيدة ، والأكثر في هذا الضرب من المبالغة أن يكون لفظ الثاني من لفظ الأول ، كويل وائل وليل لائل . وأما قولهم : شاعر هذا الشعر فليس على حد قولك ضارب زيد تريد المنقولة من ضرب ، ولا على حدها وأنت تريد ضارب زيدا المنقولة من قولك يضرب أو سيضرب ; لأن ذلك منقول من فعل متعد ، فأما شاعر هذا الشعر فليس قولنا هذا الشعر في موضع نصب ألبتة ; لأن فعل الفاعل غير متعد إلا بحرف الجر ، وإنما قولك : شاعر هذا الشعر بمنزلة قولك صاحب هذا الشعر ; لأن صاحبا غير متعد عند سيبويه ، وإنما هو عنده بمنزلة غلام ، وإن كان مشتقا من الفعل ، ألا تراه جعله في اسم الفاعل بمنزلة در في المصادر من قولك : درك ، وقال الأخفش : الشاعر مثل لابن وتامر أي صاحب شعر ، وقال : هذا البيت أشعر من هذا أي أحسن منه ، وليس هذا على حد قولهم : شعر شاعر ; لأن صيغة التعجب إنما تكون من الفعل ، وليس في شاعر من قولهم : شعر شاعر معنى الفعل ، إنما هو على النسبة والإجادة ، كما قلنا اللهم إلا أن يكون الأخفش قد علم أن هناك فعلا فحمل قوله " أشعر منه " عليه ، وقد يجوز أن يكون الأخفش توهم الفعل هنا كأنه سمع شعر البيت أي جاد في نوع الشعر فحمل " أشعر منه " عليه . وفي الحديث : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن من الشعر لحكمة ، فإذا ألبس عليكم شيء من القرآن فالتمسوه في الشعر ، فإنه عربي . والشعر والشعر مذكران : نبتة الجسم مما ليس بصوف ولا وبر للإنسان وغيره ، وجمعه أشعار وشعور ، والشعرة ، الواحدة من الشعر ، وقد يكنى بالشعرة عن الجمع كما يكنى بالشيبة عن الجنس ; يقال : رأى فلان الشعرة إذا رأى الشيب في رأسه . ورجل أشعر وشعر وشعراني : كثير شعر الرأس والجسد طويله ، وقوم شعر . ورجل أظفر : طويل الأظفار وأعنق : طويل العنق . وسألت أبا زيد عن تصغير الشعور ، فقال : أشيعار ، رجع إلى أشعار ، وهكذا جاء في الحديث : على أشعارهم وأبشارهم . ويقال للرجل الشديد : فلان أشعر الرقبة ، شبه بالأسد ، وإن لم يكن ثم شعر ; وكان زياد بن أبيه يقال له أشعر بركا أي أنه كثير شعر الصدر ; وفي الصحاح : كان يقال لعبيد الله بن زياد أشعر بركا . وفي حديث عمر : إن أخا الحاج الأشعث الأشعر أي الذي لم يحلق شعره ولم يرجله . وفي الحديث أيضا : فدخل رجل أشعر أي كثير الشعر طويله . وشعر التيس وغيره من ذي الشعر شعرا كثر شعره ; وتيس شعر وأشعر وعنز شعراء وقد شعر يشعر شعرا كلما كثر شعره . والشعراء والشعرة بالكسر : الشعر النابت على عانة الرجل وركب المرأة وعلى ما وراءها ; وفي الصحاح : والشعرة بالكسر شعر الركب للنساء خاصة . والشعرة : منبت الشعر تحت السرة وقيل : الشعرة العانة نفسها ، وفي حديث المبعث : أتاني آت فشق من هذه إلى هذه أي من ثغرة نحره إلى شعرته قال : الشعرة بالكسر العانة ; وأما قول الشاعر :


                                                          فألقى ثوبه حولا كريتا     على شعراء تنقض بالبهام

                                                          ، فإنه أراد بالشعراء خصية كثيرة الشعر النابت عليها ، وقوله : تنقض بالبهام عنى أدرة فيها إذا فشت خرج لها صوت كتصويت النقض بالبهم إذا دعاها . وأشعر الجنين في بطن أمه وشعر واستشعر : نبت عليه الشعر ; قال الفارسي : لم يستعمل إلا مزيدا ; وأنشد ابن السكيت في ذلك :


                                                          كل جنين مشعر في الغرس

                                                          وكذلك تشعر . وفي الحديث : زكاة الجنين زكاة أمه إذا أشعر ، وهذا كقولهم : أنبت الغلام إذا نبتت عانته . وأشعرت الناقة : ألقت جنينها وعليه شعر ; حكاه قطرب ; وقال ابن هانيء في قوله :


                                                          وكل طويل كأن السلي     ط في حيث وارى الأديم الشعارا

                                                          أراد : كأن السليط وهو الزيت ، وفي شعر هذا الفرس لصفائه . [ ص: 90 ] والشعار : جمع شعر كما يقال جبل وجبال أراد أن يخبر بصفاء شعر الفرس وهو كأنه مدهون بالسليط . والمواري في الحقيقة : الشعار . والموارى : هو الأديم لأن الشعر يواريه فقلب ، وفيه قول آخر : يجوز أن يكون هذا البيت من المستقيم غير المقلوب ، فيكون معناه : كأن السليط في حيث وارى الأديم الشعر ; لأن الشعر ينبت من اللحم ، وهو تحت الأديم ، لأن الأديم الجلد ; يقول : فكأن الزيت في الموضع الذي يواريه الأديم وينبت منه الشعر ، وإذا كان الزيت في منبته نبت صافيا فصار شعره كأنه مدهون لأن منبته في الدهن كما يكون الغصن ناضرا ريان إذا كان الماء في أصوله . وداهية شعراء وداهية وبراء ; ويقال للرجل إذا تكلم بما ينكر عليه : جئت بها شعراء ذات وبر . وأشعر الخف والقلنسوة وما أشبههما وشعره وشعره خفيفة ; عن اللحياني ، كل ذلك بطنه بشعر وخف مشعر ومشعر ومشعور . وأشعر فلان جبته إذا بطنها بالشعر ، وكذلك إذا أشعر ميثرة سرجه . والشعرة من الغنم : التي ينبت بين ظلفيها الشعر فيدميان ، وقيل : هي التي تجد أكالا في ركبها . وداهية شعراء ، كزباء يذهبون بها إلى خبثها . والشعراء : الفروة ، سميت بذلك لكون الشعر عليها ; حكي ذلك عن ثعلب . والشعار : الشجر الملتف ; قال يصف حمارا وحشيا :


                                                          وقرب جانب الغربي يأدو     مدب السيل واجتنب الشعارا

                                                          يقول : اجتنب الشجر مخافة أن يرمى فيها ولزم مدرج السيل ; وقيل : الشعار ما كان من شجر في لين ووطاء من الأرض يحله الناس نحو الدهناء وما أشبهها ، يستدفئون به في الشتاء ويستظلون به في القيظ . يقال : أرض ذات شعار أي ذات شجر . قال الأزهري : قيده شمر بخطه شعار بكسر الشين ، قال : وكذا روي عن الأصمعي مثل شعار المرأة ; وأما ابن السكيت فرواه ( شعار ) بفتح الشين في الشجر . وقال الرياشي : الشعار كله مكسور إلا شعار الشجر . والشعار : مكان ذو شجر . والشعار : كثرة الشجر ; وقال الأزهري : فيه لغتان شعار وشعار في كثرة الشجر . وروضة شعراء : كثيرة الشجر . ورملة شعراء : تنبت النصي . والمشعر أيضا : الشعار ، وقيل : هو مثل المشجر . والمشاعر : كل موضع فيه حمر وأشجار ; قال ذو الرمة يصف ثور وحش :


                                                          يلوح إذا أفضى ويخفى بريقه     إذا ما أجنته غيوب المشاعر

                                                          يعني ما يغيبه من الشجر . قال أبو حنيفة : وإن جعلت المشعر الموضع الذي به كثرة الشجر لم يمتنع كالمبقل والمحش . والشعراء : الشجر الكثير . والشعراء : الأرض ذات الشجر ، وقيل : هي الكثيرة الشجر . قال أبو حنيفة : الشعراء الروضة يغم رأسها الشجر وجمعها شعر ، يحافظون على الصفة إذ لو حافظوا على الاسم لقالوا شعراوات وشعار . والشعراء أيضا : الأجمة . والشعر : النبات والشجر على التشبيه بالشعر . وشعران : اسم جبل بالموصل سمي بذلك لكثرة شجره ; قال الطرماح :


                                                          شم الأعالي شائك حولها     شعران مبيض ذرى هامها

                                                          أراد : شم أعاليها فحذف الهاء وأدخل الألف واللام كما ; قال زهير :


                                                          حجن المخالب لا يغتاله الشبع

                                                          أي حجن مخالبه . وفي حديث عمرو بن مرة : حتى أضاء لي أشعر جهينة ; هو اسم جبل لهم . وشعر : جبل لبني سليم ; قال البريق :


                                                          فحط الشعر من أكناف شعر     ولم يترك بذي سلع حمارا

                                                          وقيل : هو شعر . والأشعر : جبل بالحجاز . والشعار : ما ولي شعر جسد الإنسان دون ما سواه من الثياب ، والجمع أشعرة وشعر . وفي المثل : هم الشعار دون الدثار ; يصفهم بالمودة والقرب . وفي حديث الأنصار : أنتم الشعار والناس الدثار أي أنتم الخاصة والبطانة كما سماهم عيبته وكرشه . والدثار : الثوب الذي فوق الشعار . وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - : إنه كان لا ينام في شعرنا ; هي جمع الشعار مثل كتاب وكتب ، وإنما خصتها بالذكر لأنها أقرب إلى ما تنالها النجاسة من الدثار حيث تباشر الجسد ، ومنه الحديث الآخر : إنه كان لا يصلي في شعرنا ولا في لحفنا ; إنما امتنع من الصلاة فيها مخافة أن يكون أصابها شيء من دم الحيض ، وطهارة الثوب شرط في صحة الصلاة بخلاف النوم فيها . وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لغسلة ابنته حين طرح لهن حقوه قال : أشعرنها إياه ; فإن أبا عبيدة قال : معناه اجعلنه شعارها الذي يلي جسدها ; لأنه يلي شعرها ، وجمع الشعار شعر والدثار دثر . والشعار : ما استشعرت به من الثياب تحتها . والحقوة : الإزار . والحقوة أيضا : معقد الإزار من الإنسان . وأشعرته : ألبسته الشعار . واستشعر الثوب : لبسه ; قال طفيل :


                                                          وكمتا مدماة كأن متونها     جرى فوقها واستشعرت لون مذهب

                                                          ، وقال بعض الفصحاء : أشعرت نفسي تقبل أمره وتقبل طاعته ; استعمله في العرض . والمشاعر : الحواس ; قال بلعاء بن قيس :


                                                          والرأس مرتفع فيه مشاعره     يهدي السبيل له سمع وعينان

                                                          والشعار : جل الفرس . وأشعر الهم قلبي : لزق به كلزوق الشعار من الثياب بالجسد ; وأشعر الرجل هما : كذلك . وكل ما ألزقه بشيء فقد أشعره به . وأشعره سنانا : خالطه به ، وهو منه ; أنشد ابن الأعرابي لأبي عازب الكلابي :


                                                          فأشعرته تحت الظلام وبيننا     من الخطر المنضود في العين ناقع

                                                          يريد أشعرت الذئب بالسهم ; وسمى الأخطل ما وقيت به الخمر شعارا ، فقال :


                                                          فكف الريح والأنداء عنها     من الزرجون دونهما شعار

                                                          [ ص: 91 ] ، ويقال : شاعرت فلانة إذا ضاجعتها في ثوب واحد وشعار واحد ، فكنت لها شعارا وكانت لك شعارا . ويقول الرجل لامرأته : شاعريني : وشاعرته : ناومته في شعار واحد . والشعار : العلامة في الحرب وغيرها . وشعار العساكر أن يسموا لها علامة ينصبونها ليعرف الرجل بها رفقته . وفي الحديث : إن شعار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في الغزو : يا منصور أمت أمت ! وهو تفاؤل بالنصر بعد الأمر بالإماتة . واستشعر القوم إذا تداعوا بالشعار في الحرب ; وقال النابغة :


                                                          مستشعرين قد ألفوا في ديارهم     دعاء سوع ودعمي وأيوب

                                                          يقول : غزاهم هؤلاء فتداعوا بينهم في بيوتهم بشعارهم . وشعار القوم : علامتهم في السفر . وأشعر القوم في سفرهم : جعلوا لأنفسهم شعارا . وأشعر القوم : نادوا بشعارهم ; كلاهما عن اللحياني . والإشعار : الإعلام . والشعار : العلامة . قال الأزهري : ولا أدري مشاعر الحج إلا من هذا ; لأنها علامات له . وأشعر البدنة : أعلمها ، وهو أن يشق جلدها أو يطعنها في أسنمتها في أحد الجانبين بمبضع أو نحوه ، وقيل : طعن في سنامها الأيمن حتى يظهر الدم ويعرف أنها هدي ، وهو الذي كان أبو حنيفة يكرهه وزعم أنه مثلة ، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أحق بالاتباع . وفي حديث مقتل عمر - رضي الله عنه - : أن رجلا رمى الجمرة فأصاب صلعته بحجر فسال الدم ، فقال رجل : أشعر أمير المؤمنين ونادى رجل آخر : يا خليفة وهو اسم رجل ، فقال رجل من بني لهب : ليقتلن أمير المؤمنين ، فرجع فقتل في تلك السنة . ولهب : قبيلة من اليمن فيهم عيافة وزجر ، وتشاءم هذا اللهبي بقول الرجل أشعر أمير المؤمنين ، فقال : ليقتلن ، وكان مراد الرجل أنه أعلم بسيلان الدم عليه من الشجة كما يشعر الهدي إذا سيق للنحر ، وذهب به اللهبي إلى القتل ; لأن العرب كانت تقول للملوك إذا قتلوا : أشعروا ، وتقول لسوقة الناس : قتلوا وكانوا يقولون في الجاهلية : دية المشعرة ألف بعير يريدون دية الملوك ; فلما قال الرجل : أشعر أمير المؤمنين جعله اللهبي قتلا فيما توجه له من علم العيافة ، وإن كان مراد الرجل أنه دمي كما يدمى الهدي إذا أشعر وحقت طيرته ; لأن عمر - رضي الله عنه - لما صدر من الحج قتل . وفي حديث مكحول : لا سلب إلا لمن أشعر علجا أو قتله ، فأما من لم يشعر فلا سلب له ، أي طعنه حتى يدخل السنان جوفه والإشعار : الإدماء بطعن أو رمي أو وجء بحديدة ; وأنشد لكثير :


                                                          عليها ولما يبلغا كل جهدها     وقد أشعراها في أظل ومدمع

                                                          أشعراها : أدمياها وطعناها ; وقال الآخر :


                                                          يقول للمهر والنشاب يشعره     لا تجزعن فشر الشيمة الجزع !

                                                          وفي حديث مقتل عثمان - رضي الله عنه - : أن التجيبي دخل عليه فأشعره مشقصا أي دماه به ; وأنشد أبو عبيدة :


                                                          نقتلهم جيلا فجيلا تراهم     شعائر قربان بها يتقرب

                                                          في حديث الزبير : أنه قاتل غلاما فأشعره . وفي حديث معبد الجهني : لما رماه الحسن بالبدعة قالت له أمه : إنك قد أشعرت ابني في الناس ، أي جعلته علامة فيهم وشهرته بقولك ، فصار له كالطعنة في البدنة ; لأنه كان عابه بالقدر . والشعيرة : البدنة المهداة سميت بذلك ; لأنه يؤثر فيها بالعلامات والجمع شعائر . وشعائر الحج : مناسكه وعلاماته وآثاره وأعماله ، جمع شعيرة ، وكل ما جعل علما لطاعة الله - عز وجل - ، كالوقوف والطواف والسعي والرمي والذبح وغير ذلك ، ومنه الحديث : أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : مر أمتك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية ، فإنها من شعائر الحج . والشعيرة والشعارة والمشعر : كالشعار . وقال اللحياني : شعائر الحج مناسكه ، واحدتها شعيرة . وقوله تعالى : فاذكروا الله عند المشعر الحرام هو مزدلفة ، وهي جمع تسمى بهما جميعا . والمشعر : المعلم والمتعبد من متعبداته . والمشاعر : المعالم التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها ; ومنه سمي المشعر الحرام ; لأنه معلم للعبادة وموضع ; قال : ويقولون هو المشعر الحرام والمشعر ، ولا يكادون يقولونه بغير الألف واللام ، وفي التنزيل : ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله قال الفراء : كانت العرب عامة لا يرون الصفا و المروة من الشعائر ولا يطوفون بينهما فأنزل الله تعالى : لا تحلوا شعائر الله أي لا تستحلوا ترك ذلك ; وقيل : شعائر الله مناسك الحج . وقال الزجاج في شعائر الله يعني بها جميع متعبدات الله التي أشعرها الله أي جعلها أعلاما لنا ، وهي كل ما كان من موقف أو مسعى أو ذبح ، وإنما قيل شعائر لكل علم مما تعبد به ; لأن قولهم : شعرت به علمته فلهذا سميت الأعلام التي هي متعبدات الله تعالى شعائر . والمشاعر : مواضع المناسك . والشعار : الرعد ; قال :


                                                          وقطار غادية بغير شعار

                                                          الغادية : السحابة التي تجيء غدوة ، أي مطر بغير رعد . والأشعر : ما استدار بالحافر من منتهى الجلد حيث تنبت الشعيرات حوالي الحافر . وأشاعر الفرس : ما بين حافره إلى منتهى شعر أرساغه ، والجمع أشاعر ; لأنه اسم . وأشعر خف البعير : حيث ينقطع الشعر وأشعر الحافر مثله . وأشعر الحياء : حيث ينقطع الشعر . وأشاعر الناقة : جوانب حيائها . والأشعران : الإسكتان وقيل : هما ما يلي الشفرين . يقال لناحيتي فرج المرأة : الإسكتان ولطرفيهما : الشفران وللذي بينهما : الأشعران . والأشعر : شيء يخرج بين ظلفي الشاة كأنه ثؤلول الحافر تكوى منه ; هذه عن اللحياني . والأشعر : اللحم تحت الظفر . والشعير : جنس من الحبوب معروف ، واحدته شعيرة وبائعه شعيري . قال سيبويه : ليس مما بني على فاعل ولا فعال كما يغلب في هذا النحو . وأما قول بعضهم : شعير وبعير ورغيف وما أشبه ذلك لتقريب الصوت من الصوت فلا يكون هذا إلا مع حروف الحلق . والشعيرة : هنة تصاغ من فضة أو حديد على شكل الشعيرة تدخل في السيلان فتكون مساكا لنصاب السكين [ ص: 92 ] والنصل ، وقد أشعر السكين : جعل لها شعيرة . والشعيرة : حلي يتخذ من فضة مثل الشعير على هيئة الشعيرة . وفي حديث أم سلمة - رضي الله عنها - : أنها جعلت شعارير الذهب في رقبتها هو ضرب من الحلي أمثال الشعير . والشعراء : ذبابة يقال هي التي لها إبرة ، وقيل : الشعراء ذباب يلسع الحمار فيدور ، وقيل : الشعراء والشعيراء ذباب أزرق يصيب الدواب . قال أبو حنيفة : الشعراء نوعان : للكلب شعراء معروفة وللإبل شعراء ; فأما شعراء الكلب ، فإنها إلى الزرقة والحمرة ولا تمس شيئا غير الكلب وأما شعراء الإبل فتضرب إلى الصفرة ، وهي أضخم من شعراء الكلب ولها أجنحة ، وهي زغباء تحت الأجنحة ; قال : وربما كثرت في النعم حتى لا يقدر أهل الإبل على أن يحتلبوا بالنهار ولا أن يركبوا منها شيئا معها فيتركون ذلك إلى الليل ، وهي تلسع الإبل في مراق الضلوع وما حولها وما تحت الذنب والبطن والإبطين ، وليس يتقونها بشيء إذا كان ذلك إلا بالقطران ، وهي تطير على الإبل حتى تسمع لصوتها دويا ; قال الشماخ :


                                                          تذب صنفا من الشعراء منزله     منها لبان وأقراب زهاليل

                                                          والجمع من كل ذلك شعار . وفي الحديث : أنه لما أراد قتل أبي بن خلف تطاير الناس عنه تطاير الشعر عن البعير ثم طعنه في حلقه ; الشعر بضم الشين وسكون العين : جمع شعراء ، وهي ذبان أحمر وقيل أزرق ، يقع على الإبل ويؤذيها أذى شديدا ، وقيل : هو ذباب كثير الشعر . وفي الحديث : أن كعب بن مالك ناوله الحربة ، فلما أخذها انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعارير ; هي بمعنى الشعر ، وقياس واحدها شعرور ، وقيل : هي ما يجتمع على دبرة البعير من الذبان ، فإذا هيجت تطايرت عنها . والشعراء : الخوخ أو ضرب من الخوخ ، وجمعه كواحده . قال أبو حنيفة : الشعراء شجرة من الحمض ليس لها ورق ولها هدب تحرص عليها الإبل حرصا شديدا تخرج عيدانا شدادا . والشعراء فاكهة جمعه وواحده سواء . والشعران : ضرب من الرمث أخضر ، وقيل : ضرب من الحمض أخضر أغبر . والشعرورة : القثاءة الصغيرة وقيل : هو نبت . والشعارير : صغار القثاء واحدها شعرور . وفي الحديث : أنه أهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شعارير هي صغار القثاء وذهبوا شعاليل وشعارير بقذان وقذان أي متفرقين واحدهم شعرور ، وكذلك ذهبوا شعارير بقردحمة . قال اللحياني : أصبحت شعارير بقردحمة وقردحمة وقندحرة وقندحرة وقدحرة وقذحرة معنى كل ذلك بحيث لا يقدر عليها يعني اللحياني أصبحت القبيلة . قال الفراء : الشماطيط والعباديد والشعارير والأبابيل كل هذا لا يفرد له واحد . والشعارير : لعبة للصبيان لا يفرد ; يقال : لعبنا الشعارير وهذا لعب الشعارير . وقوله تعالى : وأنه هو رب الشعرى الشعرى : كوكب نير يقال له : المرزم يطلع بعد الجوزاء ، وطلوعه في شدة الحر ; تقول العرب : إذا طلعت الشعرى جعل صاحب النخل يرى . وهما الشعريان : العبور التي في الجوزاء ، والغميصاء التي في الذراع ; تزعم العرب أنها أختا سهيل ، وطلوع الشعرى على إثر طلوع الهقعة . وعبد الشعرى العبور طائفة من العرب في الجاهلية ; ويقال : إنها عبرت السماء عرضا ولم يعبرها عرضا غيرها ، فأنزل الله تعالى : وأنه هو رب الشعرى أي رب الشعرى التي تعبدونها ، وسميت الأخرى الغميصاء لأن العرب قالت في أحاديثها : إنها بكت على إثر العبور حتى غمصت . والذي ورد في حديث سعد : شهدت بدرا وما لي غير شعرة واحدة ثم أكثر الله لي من اللحى بعد ; قيل : أراد ما لي إلا بنت واحدة ثم أكثر الله لي من الولد بعد . و أشعر : قبيلة من العرب ، منهم أبو موسى الأشعري ، ويجمعون الأشعري بتخفيف ياء النسبة كما يقال : قوم يمانون . قال الجوهري : والأشعر أبو قبيلة من اليمن وهو أشعر بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان . وتقول العرب : جاء بك الأشعرون بحذف ياءي النسب . وبنو الشعيراء : قبيلة معروفة . والشويعر : لقب محمد بن حمران بن أبي حمران الجعفي وهو أحد من سمي في الجاهلية بمحمد ، والمسمون بمحمد في الجاهلية سبعة مذكورون في موضعهم ، لقبه بذلك امرؤ القيس وكان قد طلب منه أن يبيعه فرسا فأبى ، فقال فيه :


                                                          أبلغا عني الشويعر أني     عمد عين قلدتهن حريما

                                                          حريم : هو جد الشويعر فإن أبا حمران جده هو الحارث بن معاوية بن الحارث بن مالك بن عوف بن سعد بن عوف بن حريم بن جعفي ; وقال الشويعر مخاطبا ل امرئ القيس :


                                                          أتتني أمور فكذبتها     وقد نميت لي عاما فعاما
                                                          بأن امرأ القيس أمسى كئيبا     على آله ما يذوق الطعاما
                                                          لعمر أبيك الذي لا يهان !     لقد كان عرضك مني حراما
                                                          وقالوا هجوت ولم أهجه     وهل يجدن فيك هاج مراما

                                                          والشويعر الحنفي : هو هانئ بن توبة الشيباني ; أنشد أبو العباس ثعلب له :


                                                          وإن الذي يمسي ودنياه همه     لمستمسك منها بحبل غرور

                                                          فسمي الشويعر بهذا البيت .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية