الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شعف

                                                          شعف : شعفة كل شيء : أعلاه . وشعفة الجبل بالتحريك : رأسه ، والجمع شعف وشعاف وشعوف ، وهي رءوس الجبال . وفي [ ص: 94 ] الحديث : من خير الناس رجل في شعفة من الشعاف في غنيمة له حتى يأتيه الموت وهو معتزل الناس ; قال ابن الأثير : يريد به رأس جبل من الجبال ويجمع شعفات ، ومنه قيل لأعلى شعر الرأس شعفة ، ومنه حديث يأجوج ومأجوج فقال : عراض الوجوه صغار العيون شهب الشعاف من كل حدب ينسلون ; قوله صهب الشعاف يريد شعور رءوسهم ، واحدتها شعفة ، وهي أعلى الشعر . وشعفات الرأس : أعالي شعره ، وقيل : قنازعه ، وقال رجل : ضربني عمر بدرته فسقط البرنس عن رأسي فأغاثني الله بشعيفتين في رأسي أي ذؤابتين على رأسه من شعره وقتاه الضرب وما على رأسه إلا شعيفات أي شعيرات من الذؤابة . ويقال لذؤابة الغلام شعفة ; وقول الهذلي :


                                                          من فوقه شعف قر وأسفله حي يعانق بالظيان والعتم

                                                          قال قر لأن الجمع الذي لا يفارق واحده إلا بالهاء يجوز تأنيثه وتذكيره . والشعف : شبه رءوس الكمأة والأثافي تستدير في أعلاها ، وقال الأزهري : الشعف رأس الكمأة والأثافي المستديرة . وشعفات الأثافي والأبنية : رءوسها ; وقال العجاج :


                                                          دواخسا في الأرض إلا شعفا

                                                          وشعفة القلب : رأسه عند معلق النياط . والشعف : شدة الحب . قال الأزهري : ما علمت أحدا جعل للقلب شعفة غير الليث ، والحب الشديد يتمكن من سواد القلب لا من طرفه . وشعفني حبها : أصاب ذلك مني . يقال : شعف الهناء البعير إذا بلغ منه ألمه . وشعفت البعير بالقطران إذا شعلته به . والشعف : إحراق الحب القلب مع لذة يجدها كما أن البعير إذا هنئ بالقطران يجد له لذة مع حرقة ; قال امرؤ القيس :


                                                          لتقتلني وقد شعفت فؤادها     كما شعف المهنوءة الرجل الطالي

                                                          يقول : أحرقت فؤادها بحبي كما أحرق الطالي هذه المهنوءة ، ففؤادها طائر من لذة الهناء لأن المهنوءة تجد للهناء لذة مع حرقة ، والمصدر الشعف كالألم ، وأما قول كعب بن زهير :


                                                          ومطافه لك ذكرة وشعوف

                                                          قال : فيحتمل أن يكون جمع شعف ويحتمل أن يكون مصدرا وهو الظاهر . والشعاف : أن يذهب الحب بالقلب ، وقوله تعالى : قد شعفها حبا ، قرئت بالعين والغين ، فمن قرأها بالعين المهملة فمعناه تيمها ، ومن قرأها بالغين المعجمة أي أصاب شغافها . وشعفه الهوى إذا بلغ منه وفلان مشعوف بفلانة ، وقراءة الحسن شعفها بالعين المهملة ، وهو من قولهم شعفت بها كأنه ذهب بها كل مذهب ، وقيل : بطنها حبا . وشعفه حبها يشعفه إذا ذهب بفؤاده مثل شعفه المرض إذا أذابه . وشعفه الحب : أحرق قلبه ، وقيل : أمرضه . وقد شعف بكذا فهو مشعوف . وحكى ابن بري عن أبي العلاء : الشعف بالعين غير معجمة أن يقع في القلب شيء فلا يذهب . يقال : شعفني يشعفني شعفا ; وأنشد للحارث بن حلزة اليشكري :


                                                          ويئست مما كان يشعفني     منها ولا يسليك كالياس

                                                          ، ويقال : يكون بمعنى علا حبها على قلبه . والمشعوف : الذاهب القلب ، وأهل هجر يقولون للمجنون مشعوف . وبه شعاف أي جنون ; وقال جندل الطهوي :


                                                          وغير عدوى من شعاف وحبن

                                                          والحبن : الماء الأصفر . ومعنى شعف بفلان إذا ارتفع حبه إلى أعلى المواضع من قلبه ، يقال : وهذا مذهب الفراء ، وقال غيره : الشعف الذعر ، فالمعنى هو مذعور خائف قلق . والشعف : شعف الدابة حين تذعر ثم نقلته العرب من الدواب إلى الناس ; وأنشد بيت امرئ القيس :


                                                          لتقتلني وقد شعفت فؤادها     كما شعف المهنوءة الرجل الطالي

                                                          فالشعف الأول من الحب والثاني من الذعر . ويقال : ألقى عليه شعفه وشغفه وملقه وحبه وحبته بمعنى واحد . وفي حديث عذاب القبر : فإذا كان الرجل صالحا جلس في قبره غير فزع ولا مشعوف ; الشعف : شدة الفزع حتى يذهب بالقلب ; وقول أبي ذؤيب يصف الثور والكلاب :


                                                          شعف الكلاب الضاريات فؤاده     فإذا يرى الصبح المصدق يفزع

                                                          ، فإنه استعمل الشعف في الفزع ; يقول : ذهبت بقلبه الكلاب ، فإذا نظر إلى الصبح ترقب الكلاب أن تأتيه . والشعفة : المطرة الهينة . وفي المثل : ما تنفع الشعفة في الوادي الرغب ; يضرب مثلا للذي يعطيك قليلا لا يقع منك موقعا ولا يسد مسدا ، والوادي الرغب : الواسع الذي لا يملؤه إلا السيل الجحاف . والشعفة : القطرة ، الواحدة من المطر . والشعف : مطرة يسيرة ; عن ابن الأعرابي ; وأنشد :


                                                          فلا غرو إلا نروهم من نبالنا     كما اصعنفرت معزى الحجاز من الشعف

                                                          وشعيف : اسم . ويقال للرجل الطويل : شنعاف والنون زائدة . وشعفين : موضع ، ففي المثل : لكن بشعفين أنت جدود ; يضرب مثلا لمن كان في حال سيئة فحسنت حاله . وفي التهذيب : وشعفان جبلان بالغور ، وذكر المثل ; قاله رجل التقط منبوذة ورآها يوما تلاعب أترابها وتمشي على أربع وتقول : احلبوني فإني خلفة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية