الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
، وتكره لحوم الإبل الجلالة والعمل عليها ، وتلك حالها إلى أن تحبس أياما لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام { نهى عن أكل لحم الجلالة ، وفي رواية أن يحج على الجلالة ويعتمر عليها وينتفع بها } وتفسير الجلالة التي تعتاد أكل الجيف ولا تخلط فيتعين لحمها ، ويكون لحمها منتنا فحرم الأكل ; لأنه من الخبائث ، والعمل عليها لتأذي الناس بنتنها ، وأما ما يخلط فيتناول الجيف وغير الجيف على وجه يظهر أثر ذلك من لحمه ، فلا بأس بأكله ، والعمل عليه حتى ذكر في النوادر : لو أن جديا غذي بلبن خنزير فلا بأس بأكله ; لأنه لم يتغير لحمه وما غذي به صار مستهلكا ولم يبق له أثر ، وعلى هذا نقول : لا بأس بأكل الدجاجة وإن كانت تقع على الجيف ; لأنها تخلط ، ولا يتغير لحمها ولا ينتن ، وقيل : هي تنقش الجيف تبتغي الحب فيها لا أن تتناول الجيف ، وكان ابن عمر رضي الله عنه يكره أكل الدجاج [ ص: 256 ] لأنه يتناول الجيف ، ولسنا نأخذ بهذا ، وقد { صح أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأكل من لحم الدجاج } ولو كان فيه أدنى خبث لامتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تناوله ، والذي روى أنه كان يحبس الدجاج ثلاثة أيام ثم يذبحها ، فذلك على سبيل التنزه من غير أن يكون ذلك شرطا في الدجاجة وغيرها مما يخلط ، وإنما يشترط ذلك في الجلالة التي لا تأكل إلا الجيف ، وفي الكتاب قال : تحبس أياما على علف طاهر قيل : ثلاثة أيام ، وقيل : عشرة أيام ، والأصلح أنها تحبس إلى أن تزول الرائحة المنتنة عنها ; لأن الحرمة لذلك ، وهو شيء محسوس ، ولا يتقدر بالزمان لاختلاف الحيوانات في ذلك فيصار فيه إلى اعتبار زوال المضر ، فإذا زال بالعلف الطاهر حل تناوله ، والعمل عليه بعد ذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم ( تم الجزء الحادي عشر ويليه الجزء الثاني عشر ، وأوله كتاب الذبائح )

التالي السابق


الخدمات العلمية