الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته هذا استئناف ابتدائي ، وهو انتقال من ذكر ما أوحي به إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - إلى توجيه خطاب مستأنف إليه ، فبعد أن حكي في هذه السورة ما أوحى الله إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما خفي عليه من الشئون المتعلقة به من اتباع متابعين وإعراض معرضين ، انتقل إلى تلقينه ما يرد على الذين أظهروا له العناد والتورك .

ويجوز أن يكون ( قل إني لا أملك ) إلخ ، تكريرا لجملة قل إنما أدعو ربي على قراءة حمزة وعاصم وأبي جعفر .

والضر : إشارة إلى ما يتوركون به من طلب إنجاز ما يتوعدهم به من النصر عليهم .

وقوله ولا رشدا تتميم .

وفي الكلام احتباك ؛ لأن الضر يقابله النفع ، والرشد يقابله الضلال ، فالتقدير : لا أملك لكم ضرا ولا نفعا ولا ضلالا ولا رشدا .

والرشد ، بفتحتين : مصدر رشد ، والرشد ، بضم فسكون : الاسم ، وهو معرفة الصواب ، وقد تقدم قريبا في قوله يهدي إلى الرشد .

[ ص: 244 ] وتركيب لا أملك لكم معناه : لا أقدر قدرة لأجلكم على ضر ولا نفع ، وقد تقدم عند قوله تعالى وما أملك لك من الله من شيء في سورة الممتحنة ، وتقدم أيضا في سورة الأعراف .

وجملتا قل إني لن يجيرني إلى ملتحدا ، معترضتان بين المستثنى منه والمستثنى ، وهو اعتراض رد لما يحاولونه منه أن يترك ما يؤذيهم فلا يذكر القرآن إبطال معتقدهم وتحقير أصنامهم ، قال تعالى وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم .

والملتحد : اسم مكان الالتحاد ، والالتحاد : المبالغة في اللحد ، وهو العدول إلى مكان غير الذي هو فيه ، والأكثر أن يطلق ذلك على اللجأ ، أي : العياذ بمكان يعصمه . والمعنى : لن أجد مكانا يعصمني .

و ( من دونه ) حال من ملتحدا أي : ملتحدا كائنا من دون الله ، أي : بعيدا عن الله غير داخل من ملكوته ، فإن الملتحد مكان ، فلما وصف بأنه من دون الله كان المعنى أنه مكان من غير الأمكنة التي في ملك الله ، وذلك متعذر ، ولهذا جاء لنفي وجدانه حرف ( لن ) الدال على تأبيد النفي .

و ( من ) في قوله ( من دونه ) مزيدة جارة للظرف وهو ( دون ) .

وقوله إلا بلاغا من الله ورسالاته استثناء منقطع من ( ضرا ) و ( رشدا ) ، وليس متصلا ؛ لأن الضر والرشد المنفيين في قوله لا أملك لكم ضرا ولا رشدا هما الضر والرشد الواقعان في النفس بالإلجاء .

ويجوز أن يكون مع ذلك استثناء من ملتحدا ، أي : بتأويل ( ملتحدا ) بمعنى : مخلص أو مأمن .

وهذا الاستثناء من أسلوب تأكيد الشيء بما يشبه ضده .

والبلاغ : اسم مصدر بلغ ، أي : أوصل الحديث أو الكلام ، ويطلق على الكلام المبلغ من إطلاق المصدر على المفعول مثل هذا خلق الله .

[ ص: 245 ] و " من " ابتدائية صفة ( بلاغا ) ، أي : بلاغا كائنا من جانب الله ، أي : إلا كلاما أبلغه من القرآن الموحى من الله .

ورسالاته : جمع رسالة : وهي ما يرسل من كلام أو كتاب فالرسالات بلاغ خاص بألفاظ مخصوصة ، فالمراد منها هنا تبليغ القرآن .

ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا لما كان قوله قال إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا إلى هنا كلاما متضمنا أنهم أشركوا وعاندوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين دعاهم إلى التوحيد واقترحوا عليه ما توهموه تعجيزا له من ضروب الاقتراح ، أعقب ذلك بتهديدهم ووعيدهم بأنهم إن داموا على عصيان الله ورسوله سيلقون نار جهنم ؛ لأن كل من يعصي الله ورسوله كانت له نار جهنم .

و ( من ) شرطية وجواب الشرط قوله فإن له نار جهنم .

التالي السابق


الخدمات العلمية