الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فوائد نختم بها الكلام على هذه القاعدة

                الأولى :

                قال ابن القاص في التلخيص لا يزال حكم اليقين بالشك إلا في إحدى عشرة مسألة : إحداها : شك ماسح الخف هل انقضت المدة أم لا ؟ الثانية : شك هل مسح في الحضر أو السفر ، ويحكم في المسألتين بانقضاء المدة . الثالثة : إذا أحرم المسافر بنية القصر خلف من لا يدري : أمسافر هو ، أم مقيم ؟ لم يجز القصر .

                الرابعة : بال حيوان في ماء كثير ثم وجده متغيرا ولم يدر ، أتغير بالبول أم بغيره فهو نجس .

                الخامسة : المستحاضة المتحيرة ، يلزمها الغسل عند كل صلاة ، يشك في انقطاع الدم قبلها .

                السادسة : من أصابته نجاسة في ثوبه أو بدنه وجهل موضعها يجب غسله كله . السابعة : شك مسافر أوصل بلده أم لا ؟ لا يجوز له الترخص . الثامنة : شك مسافر هل نوى الإقامة أم لا ؟ لا يجوز له الترخص التاسعة : المستحاضة وسلس البول إذا توضأ ثم شك : هل انقطع حدثه أم لا ؟ فصلى بطهارته لم تصح صلاته [ ص: 73 ] العاشرة : تيمم ، ثم رأى شيئا لا يدري : أسراب هو ، أم ماء بطل تيممه ، وإن بان سرابا الحادية عشرة ، رمى صيدا فجرحه ، ثم غاب فوجده ميتا ، وشك هل أصابته رمية أخرى من حجر أو غيره لم يحل أكله ، وكذا لو أرسل عليه كلبا .

                هذا ما ذكره ابن القاص وقد نازعه القفال وغيره في استثنائها بأنه لم يترك اليقين فيها بالشك ، وإنما عمل فيها بالأصل الذي لم يتحقق شرط العدول عنه ; لأن الأصل في الأولى والثانية غسل الرجلين .

                وشرط المسح : بقاء المدة وشككنا فيه ، فعمل بأصل الغسل ، وفي الثالثة والسابعة والثامنة القصر رخصة بشرط ، فإذا لم يتحقق رجع إلى الأصل ، وهو الإتمام ; وفي الخامسة الأصل وجوب الصلاة ، فإذا شكت في الانقطاع فصلت بلا غسل ، لم تتيقن البراءة منها .

                وفي السادسة : الأصل أنه ممنوع من الصلاة إلا بطهارة عن هذه النجاسة ، فلما لم يغسل الجميع فهو شاك في زوال منعه من الصلاة ، وفي العاشرة : إنما بطل التيمم لأنه توجه الطلب عليه ، وفي الحادية عشرة في حل الصيد قولان ، فإن قلنا لا يحل فليس ترك يقين بشك لأن الأصل التحريم ، وقد شككنا في الإباحة ، وقد نقل النووي ذلك في شرح المهذب وقال ما قاله القفال فيه نظر والصواب في أكثر هذه المسائل مع ابن القاص .

                قال : وقد استثنى إمام الحرمين أيضا والغزالي ما إذا شك الناس في انقضاء وقت الجمعة فإنهم لا يصلون الجمعة ، وإن كان الأصل بقاء الوقت .

                قال : ومما يستثنى : إذا توضأ وشك ، هل مسح رأسه أم لا ؟ وفيه وجهان الأصح صحة وضوئه ، ولا يقال الأصل عدم المسح .

                ومثله لو سلم من صلاته ، وشك هل صلى ثلاثا أو أربعا ؟ ، والأظهر أن صلاته مضت على الصحة .

                قال : فإن تكلف متكلف ، وقال : المسألتان داخلتان في القاعدة ، فإنه شك هل ترك أو لا ، والأصل عدمه ، فليس بشيء لأن الترك عدم باق على ما كان عليه ، وإنما المشكوك فيه الفعل ، والأصل عدمه ولم يعمل بالأصل .

                قال : وأما إذا سلم من صلاته فرأى عليه نجاسة ، واحتمل وقوعها في الصلاة وحدوثها بعدها ، فلا تلزمه إعادة الصلاة بل مضت على الصحة ، فيحتمل أن يقال الأصل عدم النجاسة فلا يحتاج إلى استثنائها لدخولها في القاعدة ، ويحتمل أن يقال : تحقق النجاسة وشك في انعقاد الصلاة ; والأصل عدمه ، وبقاؤها في الذمة ، فيحتاج إلى استثنائها . انتهى كلام النووي ، [ ص: 74 ] وزاد ابن السبكي في نظائره صورا أخرى :

                منها : إذا جاء من قدام الإمام واقتدى به وشك هل هو متقدم عليه ؟ ، فالصحيح في التحقيق وشرح المهذب أنه تصح صلاته .

                فهذا ترك أصل من غير معارض ، ولذلك رجح ابن الرفعة مقابله : أنه لا يصح عملا بالأصل السالم عن المعارض ، ولو كان جاء من خلف الإمام صحت ، قطعا ; لأن الأصل عدم تقديمه .

                وفي نظير هذه المسألة لو صلى وشك ، هل تقدم على الإمام بالتكبير أو لا ؟ ، لا تصح صلاته ، وفرق بأن الصحة في التقديم أكثر وقوعا ، فإنها تصح في صورتين : التأخير والمساواة ، وتبطل في التقدم خاصة ، والصحة في التكبير أقل وقوعا ، فإنها تبطل بالمقارنة والتقدم ، وتصح في صورة واحدة ، وهي التأخر .

                ومنها : من له كفان عاملتان أو غير عاملتين ، فبأيهما مس انتقض وضوءه مع الشك في أنها أصلية أو زائدة ، والزائدة لا تنقض ، ولهذا لو كانت إحداهما عاملة فقط انتقض بها وحدها على الصحيح .

                ومنها : إذا ادعى الغاصب تلف المغصوب صدق بيمينه على الصحيح وإلا لتخلد الحبس عليه إذا كان صادقا وعجز عن البينة ، والثاني يصدق المالك ; لأن الأصل البقاء . وزاد الزركشي في قواعده صورا أخرى .

                منها : مسألة الهرة ، فإن الأصل نجاسة فمها ، فترك ; لاحتمال ولوغها في ماء كثير وهو شك .

                ومنها : من رأى منيا في ثوبه أو فراشه الذي لا ينام فيه غيره ولم يذكر احتلاما ، لزمه الغسل في الأصح ، مع أن الأصل عدمه .

                ومنها : من شك بعد صوم يوم من الكفارة ، هل نوى ؟ لم يؤثر على الصحيح مع أن الأصل عدم النية .

                ومنها : من عليه فائتة شك في قضائها لا يلزمه ، مع أن الأصل بقاؤها . ذكره الشيخ عز الدين في مختصر النهاية .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية