الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها والفرق بين الملة والدين أن الملة ما شرعه الله ، والدين ما اعتقده الناس تقربا إلى الله ، فصار كل دين ملة وليس كل ملة دينا. فإن قيل: فالعود إلى الشيء الرجوع إليه بعد الخروج منه فهل كان شعيب على ملة قومه من الكفر حتى يقول: إن عدنا في ملتكم في الجواب عنه ثلاثة أوجه: [ ص: 240 ] أحدها: أن هذه حكاية عمن اتبع شعيبا من قومه الذين كانوا قبل اتباعه على ملة الكفر.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه قال ذلك على التوهم أنه لو كان عليها لم يعد إليها. والثالث: أنه يطلق ذكر العود على المبتدئ بالفعل وإن لم يسبق منه فعل مثله من قولهم: قد عاد علي من فلان مكروه وإن لم يسبقه بمثله كقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        لئن كانت الأيام أحسن مرة إلي فقد عادت لهن ذنوب     أتى دون حلو العيش شيء أمره
                                                                                                                                                                                                                                        كروب على آثارهن كروب



                                                                                                                                                                                                                                        ثم قال: وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا فيه قولان: أحدهما: أن نعود في القرية إلا أن يشاء الله ، قاله بعض المتكلمين. والثاني: وهو قول الجمهور أن نعود في ملة الكفر وعبادة الأوثان. فإن قيل فالله تعالى لا يشاء عبادة الأوثان فما وجه هذا القول من شعيب؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه قد كان في ملتهم ما يجوز التعبد به. والثاني: أنه لو شاء عبادة الوثن لكانت عبادته طاعة لأنه شاءه كتعبده بتعظيم الحجر الأسود. والثالث: أن هذا القول من شعيب على التعبيد والامتناع كقوله تعالى: حتى يلج الجمل في سم الخياط [الأعراف: 40] وكقولهم: حتى يشيب الغراب. ثم قال: ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين فيه وجهان: أحدهما: اكشف بيننا وبين قومنا ، قاله قتادة . والثاني: احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين. وذكر الفراء ، أن أهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح. وقال غيره: إنه لغة مراد ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        ألا أبلغ بني عصم رسولا     بأني عن فتاحكم غني

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 241 ] وقد قال ابن عباس : كنت لا أدري ما قوله: ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين حتى سمعت بنت ذي يزن تقول: تعالي أفاتحك ، يعني أقاضيك. وقيل: إنه سمي بذلك لأنه يفتح باب العلم الذي قد انغلق على غيره. فإن قيل: فما معنى قوله بالحق ومعلوم أن الله لا يحكم إلا بالحق، ففي الجواب عنه أربعة أوجه: أحدها: أنه قال ذلك صفة لحكمه لا طلبا له. والثاني: أنه سأل الله أن يكشف لمخالفه من قومه أنه على حق. والثالث: أن معناه احكم بيننا الذي هو الحق ، قاله ابن بحر . والرابع: احكم في الدنيا بنصر الحق ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية