الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ برر ]

                                                          برر : البر : الصدق والطاعة . وفي التنزيل : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله ; أراد ولكن البر بر من آمن بالله ; قال ابن سيده : وهو قول سيبويه ، وقال بعضهم : ولكن ذا البر من آمن بالله ; قال ابن جني : والأول أجود لأن حذف المضاف ضرب من الاتساع والخبر أولى من المبتدإ ; لأن الاتساع بالأعجاز أولى منه بالصدور . قال : وأما ما يروى من أن النمر بن تولب قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ليس من امبر امصيام في امسفر " ; يريد : ليس من البر الصيام في السفر ، فإنه أبدل لام المعرفة ميما ، وهو شاذ لا يسوغ ; حكاه عنه ابن جني ; قال : ويقال إن النمر بن تولب لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث ; قال : ونظيره في الشذوذ ما قرأته على أبي علي بإسناده إلى الأصمعي ، قال : يقال بنات مخر وبنات بخر وهن سحائب يأتين قبل الصيف بيض منتصبات في السماء . وقال شمر في تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر " ; اختلف العلماء في تفسير البر فقال بعضهم : البر الصلاح ، وقال بعضهم : البر الخير . قال : ولا أعلم تفسيرا أجمع منه ; لأنه يحيط بجميع ما قالوا ; قال : وجعل لبيد البر التقى حيث يقول :


                                                          وما البر إلا مضمرات من التقى



                                                          قال : وأما قول الشاعر :


                                                          تحز رءوسهم في غير بر



                                                          معناه في غير طاعة وخير . وقوله عز وجل : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ; قال الزجاج : قال بعضهم : كل ما تقرب به إلى الله - عز وجل - من عمل خير ، فهو إنفاق . قال أبو منصور : والبر خير الدنيا والآخرة ، فخير الدنيا ما ييسره الله - تبارك وتعالى - للعبد من الهدى والنعمة والخيرات ، وخير الآخرة الفوز بالنعيم الدائم في الجنة ، جمع الله لنا بينهما بكرمه ورحمته . وبر يبر إذا صلح . وبر في يمينه يبر إذا صدقه ولم يحنث . وبر رحمه يبر إذا وصله . ويقال : فلان يبر ربه أن يطيعه ; ومنه قوله :


                                                          يبرك الناس ويفجرونكا



                                                          ورجل بر بذي قرابته وبار من قوم بررة وأبرار ، والمصدر البر . وقال الله عز وجل : ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله ; أراد ولكن البر بر من آمن بالله ; وقول الشاعر :


                                                          وكيف تواصل من أصبحت     خلالته كأبي مرحب ؟



                                                          أي كخلالة أبي مرحب . وتباروا تفاعلوا : من البر . وفي حديث الاعتكاف : " ألبر تردن ؟ " ; أي الطاعة والعبادة . ومنه الحديث : " ليس من البر الصيام في السفر " . وفي كتاب قريش والأنصار : وإن البر دون الإثم أي أن الوفاء بما جعل على نفسه دون الغدر والنكث .

                                                          وبرة : اسم علم بمعنى البر معرفة فلذلك لم يصرف ; لأنه اجتمع فيه التعريف والتأنيث ، وسنذكره في فجار ; قال النابغة :


                                                          إنا اقتسمنا خطتينا بيننا     فحملت برة واحتملت فجار



                                                          وقد بر ربه . وبرت يمينه تبر وتبر برا وبرا وبرورا : صدقت . وأبرها : أمضاها على الصدق . والبر : الصادق . وفي التنزيل العزيز : إنه هو البر الرحيم . والبر من صفات الله تعالى وتقدس : العطوف الرحيم اللطيف الكريم . قال ابن الأثير : في أسماء الله تعالى البر دون البار وهو العطوف على عباده ببره ولطفه . والبر والبار بمعنى ، وإنما جاء في أسماء الله تعالى البر دون البار . وبر عمله وبر برا وبرورا وأبر وأبره الله ; قال الفراء : بر حجه ، فإذا قالوا : أبر الله حجك ، قالوه بالألف ، الجوهري : وأبر الله حجك لغة في بر الله حجك أي قبله ; قال : والبر في اليمين مثله . وقالوا في الدعاء : مبرور مأجور ومبرورا مأجورا ; تميم ترفع على إضمار أنت ، وأهل الحجاز ينصبون على اذهب مبرورا . شمر : الحج المبرور الذي لا يخالطه شيء من المآثم ، والبيع المبرور : الذي لا شبهة فيه ولا كذب ولا خيانة . ويقال : بر فلان ذا قرابته يبر برا ، وقد بررته أبره ، وبر حجك يبر برورا ، وبر الحج يبر برا ، بالكسر ، وبر الله حجه وبر حجه . وفي حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " ; قال سفيان : تفسير المبرور طيب الكلام وإطعام الطعام ، وقيل : هو المقبول المقابل بالبر وهو الثواب . يقال : بر الله حجه وأبره برا ، بالكسر وإبرارا . وقال أبو قلابة لرجل قدم من الحج : بر العمل . أراد عمل الحج دعا له أن يكون مبرورا لا مأثم فيه فيستوجب ذلك الخروج من الذنوب التي اقترفها . وروي عن جابر بن عبد الله قال : قالوا : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بر الحج ؟ قال : إطعام الطعام وطيب الكلام . رجل بر من قوم أبرار ، وبار من قوم بررة ; وروي عن ابن عمر أنه قال : إنما سماهم الله أبرارا لأنهم بروا الآباء والأبناء . وقال : كما أن لك على ولدك حقا كذلك لولدك عليك حق . وكان سفيان يقول : حق الولد على والده أن يحسن اسمه ، وأن يزوجه إذا بلغ ، وأن يحجه ، وأن يحسن أدبه . ويقال : قد تبررت في أمرنا أي تحرجت ; قال أبو ذؤيب :


                                                          فقالت : تبررت في جنبنا     وما كنت فينا حديثا ببر



                                                          أي تحرجت في سبينا وقربنا . الأحمر : بررت قسمي وبررت والدي ; وغيره لا يقول هذا . وروى المنذري عن أبي العباس في كتاب الفصيح : يقال صدقت وبررت ، وكذلك بررت والدي أبره . وقال أبو زيد : بررت في قسمي وأبر الله قسمي ; وقال الأعور الكلبي :

                                                          [ ص: 59 ]

                                                          سقيناهم دماءهم فسالت     فأبررنا إليه مقسمينا



                                                          وقال غيره : أبر فلان قسم فلان وأحنثه ، فأما أبره فمعناه أنه أجابه إلى ما أقسم عليه ، وأحنثه إذا لم يجبه . وفي الحديث : بر الله قسمه وأبره برا ، بالكسر ، وإبرارا أي صدقه ; ومنه حديث أبي بكر : لم يخرج من إل ولا بر أي صدق ; ومنه الحديث : أمرنا بسبع منها إبرار القسم . أبو سعيد : برت سلعته إذا نفقت ، قال : والأصل في ذلك أن تكافئه السلعة بما حفظها وقام عليها ، تكافئه بالغلاء في الثمن ; وهو من قول الأعشى يصف خمرا :


                                                          تخيرها أخو عانات شهرا     ورجى برها عاما فعاما



                                                          والبر : ضد العقوق ، والمبرة مثله . وبررت والدي ، بالكسر ، أبره برا وقد بر والده يبره ويبره برا ، فيبر على بررت ويبر على بررت على حد ما تقدم في اليمين ; وهو بر به وبار ; عن كراع ، وأنكر بعضهم بار . وفي الحديث : " تمسحوا بالأرض فإنها برة بكم " أي تكون بيوتكم عليها وتدفنون فيها . قال ابن الأثير : قوله : فإنها بكم برة ; أي مشفقة عليكم كالوالدة البرة بأولادها يعني أن منها خلقكم وفيها معاشكم وإليها بعد الموت معادكم ; وفي حديث زمزم : أتاه آت فقال : احفر برة ; سماها برة لكثرة منافعها وسعة مائها . وفي الحديث : أنه غير اسم امرأة كانت تسمى برة فسماها زينب ، وقال : تزكي نفسها ، كأنه كره ذلك . وفي حديث حكيم بن حزام : أرأيت أمورا كنت أبررتها ; أي أطلب بها البر والإحسان إلى الناس والتقرب إلى الله تعالى . وجمع البر الأبرار ، وجمع البار البررة . وفلان يبر خالقه ويتبرره أي يطيعه ; وامرأة برة بولدها وبارة . وفي الحديث ، في بر الوالدين : وهو في حقهما وحق الأقربين من الأهل ضد العقوق وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقهم . وجمع البر أبرار ، وهو كثيرا ما يخص بالأولياء ، والزهاد والعباد ، وفي الحديث : " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة " أي مع الملائكة . وفي الحديث : " الأئمة من قريش أبرارها أمراء أبرارها وفجارها أمراء فجارها " ; قال ابن الأثير : هذا على جهة الإخبار عنهم لا طريق الحكم فيهم أي إذا صلح الناس وبروا وليهم الأبرار ، وإذا فسدوا وفجروا وليهم الأشرار ، وهو كحديثه الآخر : " كما تكونون يولى عليكم " . والله يبر عباده : يرحمهم ، وهو البر . وبررته برا : وصلته . وفي التنزيل العزيز : أن تبروهم وتقسطوا إليهم . ومن كلام العرب السائر : فلان ما يعرف هرا من بر ; معناه ما يعرف من يهره أي من يكرهه ممن يبره ، وقيل : الهر السنور ، والبر الفأرة في بعض اللغات ، أو دويبة تشبهها ، وهو مذكور في موضعه ; وقيل : معناه ما يعرف الهرهرة من البربرة ، فالهرهرة : صوت الضأن ، والبربرة : صوت المعزى . وقال الفزاري : البر اللطف والهر العقوق . وقال يونس : الهر سوق الغنم ، والبر دعاء الغنم . وقال ابن الأعرابي : البر فعل كل خير من أي ضرب كان ، والبر دعاء الغنم إلى العلف ، والبر الإكرام ، والهر الخصومة ، وروى الجوهري عن ابن الأعرابي : الهر دعاء الغنم والبر سوقها . التهذيب : ومن كلام سليمان : من أصلح جوانيته بر الله برانيته ; المعنى : من أصلح سريرته أصلح الله علانيته ; أخذ من الجو والبر ، فالجو كل بطن غامض ، والبر المتن الظاهر ، فهاتان الكلمتان على النسبة إليهما بالألف والنون . وورد : من أصلح جوانيه أصلح الله برانيه . قالوا : البراني العلانية والألف والنون من زيادات النسب ، كما قالوا في صنعاء : صنعاني ، وأصله من قولهم : خرج فلان برا إذا خرج إلى البر والصحراء ، وليس من قديم الكلام وفصيحه . والبر : الفؤاد يقال : هو مطمئن البر ; وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          أكون مكان البر منه ودونه     وأجعل مالي دونه وأؤامره



                                                          وأبر الرجل : كثر ولده . وأبر القوم : كثروا وكذلك أعروا ، فأبروا في الخير وأعروا في الشر ، وسنذكر أعروا في موضعه . والبر ، بالفتح : خلاف البحر . والبرية من الأرضين ، بفتح الباء : خلاف الريفية . والبرية : الصحراء نسبت إلى البر ، كذلك رواه ابن الأعرابي ، بالفتح ، كالذي قبله . والبر : نقيض الكن ; قال الليث : والعرب تستعمله في النكرة ، تقول العرب : جلست برا وخرجت برا ; قال أبو منصور : وهذا من كلام المولدين وما سمعته من فصحاء العرب البادية . ويقال : أفصح العرب أبرهم ، معناه أبعدهم في البر والبدو دارا . وقوله تعالى : ظهر الفساد في البر والبحر ; قال الزجاج : معناه ظهر الجدب في البر والقحط في البحر أي في مدن البحر التي على الأنهار . قال شمر : البرية الأرض المنسوبة إلى البر وهي برية إذا كانت إلى البر أقرب منها إلى الماء ، والجمع البراري . والبريت ، بوزن فعليت : البرية فلما سكنت الياء صارت الهاء تاء ، مثل عفريت وعفرية ، والجمع البراريت . وفي التهذيب : البريت ; عن أبي عبيد وشمر وابن الأعرابي . وقال مجاهد في قوله تعالى : ويعلم ما في البر والبحر ; قال : البر القفار والبحر كل قرية فيها ماء . ابن السكيت : أبر فلان إذا ركب البر . ابن سيده : وإنه لمبر بذلك أي ضابط له . وأبر عليهم : غلبهم . والإبرار : الغلبة ; وقال طرفة :


                                                          يكشفون الضر عن ذي ضرهم     ويبرون على الآبي المبر



                                                          أي يغلبون ; يقال : أبر عليه ; أي غلبه . والمبر : الغالب . وسئل رجل من بني أسد : أتعرف الفرس الكريم ؟ قال : أعرف الجواد المبر من البطيء المقرف ; قال : والجواد المبر الذي إذا أنف تأنيف السير ، ولهز لهز العير ، الذي إذا عدا اسلهب ، وإذا قيد اجلعب ، وإذا انتصب اتلأب . ويقال : أبره يبره إذا قهره بفعال أو غيره ; ابن سيده : وأبر عليهم شرا ; حكاه ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          إذا كنت من حمان في قعر دارهم     فلست أبالي من أبر ومن فجر



                                                          ثم قال : أبر من قولهم أبر عليهم شرا ، وأبر وفجر واحد فجمع بينهما . وأبر فلان على أصحابه أي علاهم . وفي الحديث أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن ناضح فلان قد أبر عليهم أي استصعب [ ص: 60 ] وغلبهم . وابتر الرجل : انتصب منفردا من أصحابه . ابن الأعرابي : البرابير أن يأتي الراعي إذا جاع إلى السنبل فيفرك منه ما أحب وينزعه من قنبعه ، وهو قشره ، ثم يصب عليه اللبن الحليب ويغليه حتى ينضج ثم يجعله في إناء واسع ثم يسمنه أي يبرده فيكون أطيب من السميذ . قال : وهي الغديرة ، وقد اغتدرنا . والبرير : ثمر الأراك عامة ، والمرد غضه ، والكباث نضيجه ; وقيل : البرير : أول ما يظهر من ثمر الأراك وهو حلو ; وقال أبو حنيفة : البرير أعظم حبا من الكباث وأصغر عنقودا منه وله عجمة مدورة صغيرة صلبة أكبر من الحمص قليلا ، وعنقوده يملأ الكف ، الواحدة من جميع ذلك بريرة . وفي حديث طهفة : ونستصعد البرير أي نجنيه للأكل ; البرير : ثمر الأراك إذا اسود وبلغ ، وقيل : هو اسم له في كل حال ; ومنه الحديث الآخر : ما لنا طعام إلا البرير . والبر : الحنطة ; قال المتنخل الهذلي :


                                                          لا در دري إن أطعمت نازلكم     قرف الحتي ، وعندي البر مكنوز



                                                          ورواه ابن دريد : رائدهم . قال ابن دريد : البر أفصح من قولهم القمح والحنطة ، واحدته برة . قال سيبويه : ولا يقال لصاحبه : برار على ما يغلب في هذا النحو ; لأن هذا الضرب إنما هو سماعي لا اطرادي ; قال الجوهري : ومنع سيبويه أن يجمع البر على أبرار وجوزه المبرد قياسا . والبربور : الجشيش من البر . والبربرة : كثرة الكلام والجلبة باللسان ، وقيل : الصياح . ورجل بربار إذا كان كذلك ; وقد بربر إذا هذى . الفراء : البربري الكثير الكلام بلا منفعة . وقد بربر في كلامه بربرة إذا أكثر . والبربرة : الصوت وكلام من غضب ; وقد بربر مثل ثرثر فهو ثرثار . وفي حديث علي - كرم الله وجهه - لما طلب إليه أهل الطائف أن يكتب لهم الأمان على تحليل الزنا والخمر فامتنع : قاموا ولهم تغذمر وبربرة ; البربرة التخليط في الكلام مع غضب ونفور ; ومنه حديث أحد : فأخذ اللواء غلام أسود فنصبه وبربر . وبربر : جيل من الناس يقال إنهم من ولد بر بن قيس بن عيلان ، قال : ولا أدري كيف هذا ، والبرابرة : الجماعة منهم ، زادوا الهاء فيه إما للعجمة وإما للنسب ، وهو الصحيح ، قال الجوهري : وإن شئت حذفتها . وبربر التيس للهياج : نب . ودلو بربار : لها في الماء بربرة أي صوت ، قال رؤبة :


                                                          أروي ببربارين في الغطماط



                                                          والبريراء على لفظ التصغير : موضع ، قال :


                                                          إن بأجراع البريراء فالحسى     فوكز إلى النقعين من وبعان



                                                          ومبرة : أكمة دون الجار إلى المدينة ، قال كثير عزة :


                                                          أقوى الغياطل من حراج مبرة     فجنوب سهوة قد عفت ، فرمالها



                                                          وبريرة : اسم امرأة . وبرة : بنت مر أخت تميم بن مر وهي أم النضر بن كنانة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية