الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مطلب : في حكم الشرب قائما : ولا تكرهن الشرب من قائم ولا انتعال الفتى في الأظهر المتأكد ( ولا تكرهن الشرب ) للماء ونحوه ( من ) شخص ( قائم ) خلافا لابن أبي موسى من أئمة المذهب مستدلا بما في مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر وفي لفظ نهى عن الشرب قائما } وروي أيضا باللفظين من حديث أنس رضي الله عنه . قيل لأنس : فالأكل ؟ قال ذاك أشر وأخبث . .

ولمسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه { فإذا نسي فليستقئ } ودليل المذهب ما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم من دلو منها ، وهو قائم } .

وفي البخاري { عن علي رضي الله عنه أتي بماء فشرب ، ثم توضأ ، ثم قام فشرب فضله ، وهو قائم ، ثم قال : إن ناسا يكرهون الشرب قائما ، وإن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت } . .

وأخرج الترمذي وحسنه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائما وقاعدا } .

وأخرج الإمام أحمد بسند جيد وابن أبي شيبة عن علي ومحمد بن أبي عمير وابن أبي شيبة عن ميسرة عن { علي رضي الله عنه أنه قال لئن شربت قائما لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب قائما ولئن شربت قاعدا لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب قاعدا } . وروى الطبراني برجال ثقات عن عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائما وقاعدا } . وأبو يعلى برجال ثقات عن أنس رضي الله عنه { أن رسول الله كان يشرب قائما } .

فهذه الأخبار وأضعافها مما فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب قائما دليل على عدم الكراهة . [ ص: 142 ]

قال في الآداب الكبرى : ويتوجه في ذلك أنه شرب قائما ليبين به الجواز ، وأنه لا يحرم . والنهي للكراهة ، أو لترك الأولى . قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام . رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه .

وقد مر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا شرب قائما فقال له : قه ، قال : ولمه ؟ قال : أيسرك أن يشرب معك الهر ؟ قال : لا ، قال : فإنه قد شرب معك من هو شر منه الشيطان } رواه أحمد .

وروى الإمام أحمد ، والبزار وأبو يعلى بسند صحيح عن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لو يعلم الذي يشرب قائما ما يجعل في بطنه لاستقاء } .

فإن قلت : بين النهي منه صلى الله عليه وسلم والفعل معارضة . قلت : لا معارضة ، والأخبار صحيحة ولا عبرة بزعم دعوى النسخ لإمكان الجمع فالنهي محمول على خلاف الأولى ، والكراهة التنزيهية عند من يرى أن الشرب قائما مكروه . وشربه عليه الصلاة والسلام قائما لبيان الجواز ، ومتى كان فعله عليه الصلاة والسلام لبيان الجواز فهو تشريع مثاب عليه لا مكروه ، بل البيان واجب عليه . وقوله " قه " محمول على الندب والاستحباب .

ومن نظم الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى قوله :

    إذا رمت تشرب فاقعد تفز
بسنة صفوة أهل الحجاز     ، وقد صححوا شربه قائما
ولكنه لبيان الجواز



التالي السابق


الخدمات العلمية