الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شفي

                                                          شفي : الشفاء : دواء معروف وهو ما يبرئ من السقم ، والجمع أشفية وأشاف جمع الجمع ، والفعل شفاه الله من مرضه شفاء ، ممدود . واستشفى فلان : طلب الشفاء . وأشفيت فلانا إذا وهبت له شفاء من الدواء . ويقال : شفاء العي السؤال . أبو عمرو : أشفى زيد عمرا إذا وصف له دواء يكون شفاؤه فيه وأشفى إذا أعطى شيئا ما ; وأنشد :


                                                          ولا تشفي أباها لو أتاها فقيرا في مباءتها صماما

                                                          وأشفيتك الشيء أي أعطيتكه تستشفي به . وشفاه بلسانه : أبرأه . وشفاه وأشفاه : طلب له الشفاء . وأشفني عسلا : اجعله لي شفاء . ويقال : أشفاه الله عسلا إذا جعله له شفاء ; حكاه أبو عبيدة . واستشفى : طلب الشفاء واستشفى : نال الشفاء . والشفى : حرف الشيء وحده ، قال الله تعالى : على شفا جرف هار والاثنان شفوان . وشفى كل شيء : حرفه ، قال تعالى : وكنتم على شفا حفرة من النار قال الأخفش : لما لم تجز فيه الإمالة عرف أنه من الواو لأن الإمالة من الياء . وفي حديث علي عليه السلام : نازل بشفا جرف هار أي جانبه والجمع أشفاء ، وقال رؤبة يصف قوسا شبه عطفها بعطف الهلال :


                                                          كأنها في كفه تحت الروق     وفق هلال بين ليل وأفق
                                                          أمسى شفى أو خطه يوم المحق

                                                          الشفى : حرف كل شيء أراد أن قوسه كأنها خط هلال يوم المحق . وأشفى على الشيء : أشرف عليه وهو من ذلك . ويقال : أشفى على الهلاك إذا أشرف عليه . وفي الحديث : فأشفوا على المرج أي أشرفوا وأشفوا على الموت . وأشاف على الشيء وأشفى أي أشرف عليه . وشفت الشمس تشفو : قاربت الغروب والكلمة واوية ويائية . وشفى الهلال : طلع وشفى الشخص : ظهر ; هاتان عن الجوهري . ابن السكيت : الشفى مقصور بقية الهلال وبقية البصر وبقية النهار وما أشبهه ; وقال العجاج :


                                                          ومربإ عال لمن تشرفا     أشرفته بلا شفى أو بشفى

                                                          قوله : بلا شفى أي وقد غابت الشمس أو بشفى أي أو قد بقيت منها بقية ; قال ابن بري : ومثله قول أبي النجم :


                                                          كالشعريين لاحتا بعد الشفى

                                                          شبه عيني أسد في حمرتهما بالشعريين بعد غروب الشمس لأنهما تحمران في أول الليل ; قال ابن السكيت : يقال للرجل عند موته وللقمر عند امحاقه وللشمس عند غروبها ما بقي منه إلا شفى أي قليل . وفي الحديث عن عطاء ، قال : سمعت ابن عباس يقول ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا أحد إلا شفى أي إلا قليل من الناس ; قال : والله [ ص: 107 ] لكأني أسمع قوله إلا شفى ; عطاء القائل ; قال أبو منصور : وهذا الحديث يدل على أن ابن عباس علم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المتعة فرجع إلى تحريمها بعدما كان باح بإحلالها ; وقوله : إلا شفى أي إلا خطيئة من الناس قليلة لا يجدون شيئا يستحلون به الفروج ، من قولهم : غابت الشمس إلا شفى أي قليلا من ضوئها عند غروبها . قال الأزهري : قوله : إلا شفى أي إلا أن يشفي ، يعني يشرف على الزنا ولا يواقعه ، فأقام الاسم وهو الشفى مقام المصدر الحقيقي وهو الإشفاء على الشيء . وفي حديث ابن زمل : فأشفوا على المرج أي أشرفوا عليه ولا يكاد يقول أشفى إلا في الشر . ومنه حديث سعد : مرضت مرضا أشفيت منه على الموت . وفي حديث عمر : لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا إلى صيامه ولكن انظروا إلى ورعه إذا أشفى أي إذا أشرف على الدنيا وأقبلت عليه ، وفي حديثه الآخر : إذا اؤتمن أدى ، وإذا أشفى ورع أي إذا أشرف على شيء تورع عنه ، وقيل : أراد المعصية والخيانة . وفي الحديث : أن رجلا أصاب من مغنم ذهبا فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو له فيه ، فقال : ما شفى فلان أفضل مما شفيت تعلم خمس آيات ; أراد : ما ازداد وربح بتعلمه الآيات الخمس أفضل مما استزدت وربحت من هذا الذهب ، قال ابن الأثير : ولعله من باب الإبدال فإن الشف الزيادة والربح فكأن أصله شفف فأبدلت إحدى الفاءات ياء ، كقوله تعالى : دساها ; في دسسها ، وتقضى البازي في تقضض ، وما بقي من الشمس والقمر إلا شفى : أي قليل . وشفت الشمس تشفي وشفيت شفى : غربت ; وفي التهذيب : غابت إلا قليلا وأتيته بشفى من ضوء الشمس ; وأنشد :


                                                          وما نيل مصر قبيل الشفى     إذا نفحت ريحه النافحه

                                                          أي قبيل غروب الشمس . ولما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حسان بهجاء كفار قريش ففعل ، قال : شفى واشتفى ; أراد أنه شفى المؤمنين واشتفى بنفسه أي اختص بالشفاء ، وهو من الشفاء البرء من المرض ، يقال : شفاه الله يشفيه ، واشتفى افتعل منه ، فنقله من شفاء الأجسام إلى شفاء القلوب والنفوس . واشتفيت بكذا وتشفيت من غيظي . وفي حديث الملدوغ : فشفوا له بكل شيء أي عالجوه بكل ما يشتفى به ، فوضع الشفاء موضع العلاج والمداواة . والإشفى : المثقب ، حكى ثعلب عن العرب : إن لاطمته لاطمت الإشفى ، ولم يفسره . قال ابن سيده : وعندي أنه إنما ذهب إلى حدته لأن الإنسان لو لاطم الإشفى لكان ذلك عليه لا له . والإشفى : الذي للأساكفة ، قال ابن السكيت : الإشفى ما كان للأساقي والمزاود والقرب وأشباهها وهو مقصور والمخصف للنعال ; قال ابن بري : ومنه قول الراجز :


                                                          فحاص ما بين الشراك والقدم     وخزة إشفى في عطوف من أدم

                                                          وقوله أنشده الفارسي :


                                                          مئبرة العرقوب إشفى المرفق

                                                          عنى أن مرفقها حديد كالإشفى ، وإن كان الجوهر يقتضي وصفا ما فإن العرب ربما أقامت ذلك الجوهر مقام تلك الصفة . يقول علي - رضي الله عنه - : ويا طغام الأحلام ; لأن الطغامة ضعيفة فكأنه ، قال : يا ضعاف الأحلام ; قال ابن سيده : ألف الإشفى ياء لوجود ( ش ف ي ) وعدم ( ش ف و ) مع أنها لام . التهذيب : الإشفى السراد الذي يخرز به وجمعه الأشافي . ابن الأعرابي : أشفى إذا سار في شفى القمر ، وهو آخر الليل وأشفى إذا أشرف على وصية أو وديعة . وشفية : اسم ركية معروفة . وفي الحديث ذكر شفية ، وهي بضم الشين مصغرة : بئر قديمة بمكة حفرتها بنو أسد . التهذيب في هذه الترجمة : الليث الشفة نقصانها واو تقول شفة وثلاث شفوات ، قال : ومنهم من يقول نقصانها هاء ، وتجمع على شفاه ، والمشافهة مفاعلة منه . الخليل : الباء والميم شفويتان نسبهما إلى الشفة ، قال : وسمعت بعض العرب يقول : أخبرني فلان خبرا اشتفيت به أي انتفعت بصحته وصدقه . ويقول القائل منهم : تشفيت من فلان إذا أنكى في عدوه نكاية تسره .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية