الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 164 ] 432 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفريقه بين عتق النسمة وفك الرقبة .

2743 - حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود صاحب الطيالسة ، قال : حدثنا عيسى بن عبد الرحمن ، قال : سألت طلحة الإيامي ، فحدثني عن عبد الرحمن بن عوسجة ، عن البراء بن عازب قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : علمني عملا يدخلني الجنة ، فقال : لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة ، أعتق النسمة ، وفك الرقبة ، قال : أوليسا واحدا ؟ قال : لا ؛ عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها ، والمنحة الوكوف ، والفيء على ذي الرحم الظالم ، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع ، واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير .

[ ص: 165 ]

2744 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا عيسى بن عبد الرحمن ، قال : حدثني طلحة الإيامي ، عن عبد الرحمن بن عوسجة ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه قال : والفيء على ذي الرحم الظالم .

قال أبو جعفر : فتأملنا ما في هذا الحديث من ذكر عتق الرقبة ، فوجدناه ما قد عرف الناس مما تعبدهم الله عز وجل به من عتق الرقاب في كفارة القتل الخطأ ، وفي الظهار وفي كفارات الأيمان ، وفي مثل ذلك من النذور التي ينذرونها ، والإيجابات التي يوجبونها ، فمثل ذلك ما يتطوعونه من ذلك الجنس .

وتأملنا قوله صلى الله عليه وسلم : وفك الرقبة ، فوجدنا ذلك على فكها مما هي مأسورة به من دين ، هي فيه محبوسة ، ومما سوى ذلك مما هي به مطلوبة حتى تفك من ذلك بتخليصها منه ، وإخراجها عنه ، ومن ذلك قيل فكاك الرهن أي تخليصه من يد مرتهنه بدفع ما هو في يده مرهون به ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي قد رويناه فيما تقدم منا في كتابنا هذا عند نومه : وفك رهاني ، أي خلصني مما أنا مطلوب به ، ومن [ ص: 166 ] ذلك أيضا العاني الذي قد روي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما قد روي ، وهو الأسير .

2745 - كما قد حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن عبيد بن عمير ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله ، إن عبد الله بن جدعان كان يصل الرحم ، ويقري الضيف ، ويفك العاني ، وأثنيت عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لم يقل يوما قط اغفر لي خطيئتي يوم الدين .

2746 - وكما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن المنهال الضرير ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا عمارة بن أبي [ ص: 167 ] حفص ، عن عكرمة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن ابن عمي ابن جدعان قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما كان ؟ قلت : كان ينحر الكوماء ، وكان يحلب على الماء ، وكان يكرم الجار ، وكان يقري الضيف ، وكان يصل الرحم ، ويصدق الحديث ، ويوفي بالذمة ، ويفك العاني ، ويطعم الطعام ، ويؤدي الأمانة ، فقال : هل قال يوما واحدا : اللهم إني أعوذ بك من نار جهنم ؟ قلت : لا ، ما كان يدري ما جهنم ، قال : فلا إذا .

2747 - وكما قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا محمد بن كثير العبدي ، قال : أنبأنا سفيان ، عن منصور ، عن أبي وائل ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أطعموا الجائع ، وعودوا المريض ، وفكوا العاني ، قال : سفيان : [ ص: 168 ] العاني : الأسير .

قال : فدلنا ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الآثار في العاني أن الفكاك الذي أراده في الحديث الأول الذي رويناه في هذا الباب مما أخبر صلى الله عليه وسلم فيه أنه خلاف عتاق النسمة أنه التخليص من الأسر ، ومن الدين ، الذي هو عليه مطلوب به من المكاتبين ، وممن سواهم حتى يعودوا برآء من ذلك مخلصين منه ، غير مطلوبين به ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية