الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شكر

                                                          شكر : الشكر : عرفان الإحسان ونشره ، وهو الشكور أيضا . قال ثعلب : الشكر لا يكون إلا عن يد ، والحمد يكون عن يد وعن غير يد ، فهذا الفرق بينهما . والشكر من الله : المجازاة والثناء الجميل ، شكره وشكر له يشكر شكرا وشكورا وشكرانا ; قال أبو نخيلة :


                                                          شكرتك إن الشكر حبل من التقى وما كل من أوليته نعمة يقضي

                                                          قال ابن سيده : وهذا يدل على أن الشكر لا يكون إلا عن يد ، ألا ترى أنه قال :

                                                          وما كل من أوليته نعمة يقضي أي ليس كل من أوليته نعمة يشكرك عليها . وحكى اللحياني : شكرت الله وشكرت لله وشكرت بالله ، وكذلك شكرت نعمة الله وتشكر له بلاءه : كشكره . وتشكرت له : مثل شكرت له . وفي حديث يعقوب : إنه كان لا يأكل شحوم الإبل تشكرا لله - عز وجل - ; أنشد أبو علي :


                                                          وإني لآتيكم تشكر ما مضى     من الأمر واستيجاب ما كان في الغد

                                                          أي لتشكر ما مضى ، وأراد ما يكون فوضع الماضي موضع الآتي . ورجل شكور : كثير الشكر . وفي التنزيل العزيز : إنه كان عبدا شكورا . وفي الحديث : حين رئي - صلى الله عليه وسلم - وقد جهد نفسه بالعبادة فقيل له : يا رسول الله أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ أنه قال عليه السلام : أفلا أكون عبدا شكورا ؟ وكذلك الأنثى بغير هاء . والشكور : من صفات الله جل اسمه ، معناه : أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء ، وشكره لعباده : مغفرته لهم . والشكور من أبنية المبالغة . وأما الشكور من عباد الله فهو الذي يجتهد في شكر ربه بطاعته وأدائه ما وظف عليه من عبادته . وقال الله تعالى : اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ; نصب ( شكرا ) لأنه مفعول له كأنه قال : اعملوا لله شكرا ، وإن شئت كان انتصابه على أنه مصدر مؤكد . والشكر : مثل الحمد إلا أن الحمد أعم منه فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى معروفه ، ولا تشكره إلا على معروفه دون صفاته . والشكر : مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية فيثني على المنعم بلسانه ويذيب نفسه في طاعته ويعتقد أنه موليها ، وهو من شكرت الإبل تشكر إذا أصابت مرعى فسمنت عليه . وفي الحديث : لا يشكر الله من لا يشكر الناس ; معناه أن الله لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه ، إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر ، وقيل معناه أنه من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لهم كان من عادته كفر نعمة الله وترك الشكر له ، وقيل معناه أن من لا يشكر الناس كان كمن لا يشكر الله ، وإن شكره ، كما تقول : لا يحبني من لا يحبك أي أن محبتك مقرونة بمحبتي فمن أحبني يحبك ومن لم يحبك لم يحبني ; وهذه الأقوال مبنية على رفع اسم الله تعالى ونصبه . والشكر : الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف . يقال : شكرته وشكرت له وباللام أفصح . وقوله تعالى : لا نريد منكم جزاء ولا شكورا يحتمل أن يكون مصدرا مثل قعد قعودا ، ويحتمل أن يكون جمعا مثل برد وبرود وكفر وكفور . والشكران : خلاف الكفران . والشكور من الدواب : ما يكفيه العلف القليل ، وقيل : الشكور من الدواب الذي يسمن على قلة العلف كأنه يشكر ، وإن كان ذلك الإحسان قليلا ، وشكره ظهور نمائه وظهور العلف فيه ; قال الأعشى :


                                                          ولا بد من غزوة في الربيع     حجون تكل الوقاح الشكورا

                                                          والشكرة والمشكار من الحلوبات : التي تغزر على قلة الحظ من المرعى . ونعت أعرابي ناقة ، فقال : إنها معشار مشكار مغبار ، فأما المشكار فما ذكرنا ، وأما المعشار والمغبار فكل منهما مشروح في بابه ، وجمع الشكرة شكارى وشكرى . التهذيب : والشكرة من الحلائب التي تصيب حظا من بقل أو مرعى فتغزر عليه بعد قلة لبن ، وإذا نزل القوم منزلا فأصابت نعمهم شيئا من بقل قد رب ، قيل : أشكر القوم ، وإنهم ليحتلبون شكرة حيرم ، وقد شكرت الحلوبة شكرا ; وأنشد :


                                                          نضرب دراتها إذا شكرت     بأقطها والرخاف نسلؤها

                                                          والرخفة : الزبدة . وضرة شكرى إذا كانت ملأى من اللبن ، وقد شكرت شكرا . وأشكر الضرع واشتكر : امتلأ لبنا . وأشكر القوم : شكرت إبلهم والاسم الشكرة . الأصمعي : الشكرة الممتلئة الضرع من النوق ; قال الحطيئة يصف إبلا غزارا :


                                                          إذا لم يكن إلا الأماليس أصبحت     لها حلق ضراتها شكرات

                                                          قال ابن بري : ويروى بها حلقا ضراتها ، وإعرابه على هذا أن يكون في أصبحت ضمير الإبل ، وهو اسمها ، وحلقا خبرها وضراتها فاعل بحلق ، وشكرات خبر بعد خبر ، والهاء في بها تعود على الأماليس ، وهي جمع إمليس ، وهي الأرض التي لا نبات لها ; قال : ويجوز أن يكون ضراتها اسم أصبحت ، وحلقا خبرها وشكرات خبر بعد خبر ; قال : وأما من روى لها حلق فالهاء في لها تعود على الإبل ، وحلق اسم أصبحت ، وهي نعت لمحذوف تقديره أصبحت لها ضروع [ ص: 116 ] حلق ، والحلق جمع حالق ، وهو الممتلئ ، وضراتها رفع بحلق ، وشكرات خبر أصبحت ; ويجوز أن يكون في أصبحت ضمير الإبل ، وحلق رفع بالابتداء وخبره في قوله لها ، وشكرات منصوب على الحال ، وأما قوله : إذا لم يكن إلا الأماليس ، فإن يكن يجوز أن تكون تامة ، ويجوز أن تكون ناقصة فإن جعلتها ناقصة احتجت إلى خبر محذوف تقديره إذا لم يكن ثم إلا الأماليس أو في الأرض إلا الأماليس ، وإن جعلتها تامة لم تحتج إلى خبر ; ومعنى البيت أنه يصف هذه الإبل بالكرم وجودة الأصل ، وأنه إذا لم يكن لها ما ترعاه وكانت الأرض جدبة فإنك تجد فيها لبنا غزيرا . وفي حديث يأجوج ومأجوج : دواب الأرض تشكر شكرا بالتحريك : إذا سمنت وامتلأ ضرعها لبنا . وعشب مشكرة : مغزرة للبن ، تقول منه : شكرت الناقة بالكسر تشكر شكرا ، وهي شكرة . وأشكر القوم أي يحلبون شكرة . وهذا زمان الشكرة إذا حفلت من الربيع ، وهي إبل شكارى وغنم شكارى . واشتكرت السماء وحفلت واغبرت : جد مطرها واشتد وقعها ; قال امرؤ القيس يصف مطرا :


                                                          تخرج الود إذا ما أشجذت     وتواريه إذا ما تشتكر

                                                          ، ويروى : تعتكر . واشتكرت الرياح : أتت بالمطر . واشتكرت الريح : اشتد هبوبها ; قال ابن أحمر :


                                                          المطعمون إذا ريح الشتا اشتكرت     والطاعنون إذا ما استلحم البطل

                                                          واشتكرت الرياح : اختلفت عن أبي عبيد : قال ابن سيده : وهو خطأ . واشتكر الحر والبرد : اشتد ; قال الشاعر :


                                                          غداة الخمس واشتكرت حرور     كأن أجيجها وهج الصلاء

                                                          وشكير الإبل : صغارها . والشكير من الشعر والنبات : ما ينبت من الشعر بين الضفائر ، والجمع الشكر ; وأنشد :


                                                          فبينا الفتى يهتز للعين ناضرا     كعسلوجة يهتز منها شكيرها

                                                          ابن الأعرابي : الشكير ما ينبت في أصل الشجرة من الورق وليس بالكبار . والشكير من الفرخ الزغب . الفراء : يقال شكرت الشجرة وأشكرت إذا خرج فيها الشيء . ابن الأعرابي : المشكار من النوق التي تغزر في الصيف وتنقطع في الشتاء ، والتي يدوم لبنها سنتها كلها ، يقال لها : ركود ومكود ووشول وصفي . ابن سيده : والشكير الشعر الذي في أصل عرف الفرس كأنه زغب ، وكذلك في الناصية . والشكير من الشعر والريش والعفا والنبت : ما نبت من صغاره بين كباره ، وقيل : هو أول النبت على أثر النبت الهائج المغبر ، وقد أشكرت الأرض ، وقيل : هو الشجر ينبت حول الشجر ، وقيل : هو الورق الصغار ينبت بعد الكبار . وشكرت الشجرة أيضا تشكر شكرا أي خرج منها الشكير ، وهو ما ينبت حول الشجرة من أصلها ; قال الشاعر :


                                                          ومن عضه ما ينبتن شكيرها

                                                          قال : وربما قالوا للشعر الضعيف شكير ; قال ابن مقبل يصف فرسا :


                                                          ذعرت به العير مستوزيا     شكير جحافله قد كتن

                                                          ومستوزيا : مشرفا منتصبا . وكتن : بمعنى تلزج وتوسخ . والشكير أيضا : ما ينبت في أصول الشجر الكبار . وشكير النخل : فراخه . وشكر النخل شكرا : كثرت فراخه ; عن أبي حنيفة ; وقال يعقوب : هو من النخل الخوص الذي حول السعف ; وأنشد لكثير :


                                                          بروك بأعلى ذي البليد كأنها     صريمة نخل مغطئل شكيرها

                                                          مغطئل : كثير متراكب . وقال أبو حنيفة : الشكير الغصون ; وروى الأزهري بسنده : أن مجاعة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال قائلهم :


                                                          ومجاع اليمامة قد أتانا     يخبرنا بما قال الرسول
                                                          فأعطانا المقادة واستقمنا     وكان المرء يسمع ما يقول

                                                          فأقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتب له بذلك كتابا : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب كتبه محمد رسول الله ، لمجاعة بن مرارة بن سلمى ، إني أقطعتك الفورة وعوانة من العرمة والجبل فمن حاجك فإلي . فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فأقطعه الخضرمة ، ثم وفد إلى عمر - رضي الله عنه - فأقطعه أكثر ما بالحجر ، ثم إن هلال بن سراج بن مجاعة وفد إلى عمر بن عبد العزيز بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما استخلف فأخذه عمر ووضعه على عينيه ومسح به وجهه رجاء أن يصيب وجهه موضع يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمر عنده هلال ليلة ، فقال له : يا هلال أبقي من كهول بني مجاعة أحد ؟ قال : نعم وشكير كثير ; قال : فضحك عمر ، وقال : كلمة عربية ، قال : فقال جلساؤه : وما الشكير يا أمير المؤمنين ، قال : ألم تر إلى الزرع إذا زكا فأفرخ فنبت في أصوله فذلكم الشكير . ثم أجازه وأعطاه وأكرمه وأعطاه في فرائض العيال والمقاتلة
                                                          ; قال أبو منصور : أراد بقوله : وشكير كثير أي ذرية صغار ، شبههم بشكير الزرع ، وهو ما نبت منه صغارا في أصول الكبار ; وقال العجاج يصف ركابا أجهضت أولادها :


                                                          والشدنيات يساقطن النغر     خوص العيون مجهضات ما استطر
                                                          منهن إتمام شكير فاشتكر

                                                          ما استطر : من الطر . يقال : طر شعره أي نبت ، وطر شاربه مثله . يقول : ما استطر منهن . إتمام يعني بلوغ التمام . والشكير : ما نبت صغيرا . فاشتكر : صار شكيرا :


                                                          بحاجب ولا قفا ولا ازبأر     منهن سيساء ولا استغشى الوبر

                                                          [ ص: 117 ] والشكير : لحاء الشجر ، قال هوذة بن عوف العامري :


                                                          على كل خوار العنان كأنها     عصا أرزن قد طار عنها شكيرها

                                                          والجمع شكر . وشكر الكرم : قضبانه الطوال ، وقيل : قضبانه الأعالي . وقال أبو حنيفة : الشكير الكرم يغرس من قضيبه ، والفعل من كل ذلك أشكرت واشتكرت وشكرت والشكر : فرج المرأة ، وقيل لحم فرجها ; قال الشاعر يصف امرأة ; أنشده ابن السكيت :


                                                          صناع بإشفاها حصان بشكرها     جواد بقوت البطن والعرض وافر

                                                          ، وفي رواية :

                                                          جواد بزاد الركب والعرق زاخر ، وقيل : الشكر بضعها والشكر لغة فيه ; وروي بالوجهين بيت الأعشى :


                                                          خلوت بشكرها وشكرها

                                                          ، وفي الحديث : نهى عن شكر البغي ، هو بالفتح الفرج ; أراد عن وطئها أي عن ثمن شكرها فحذف المضاف ، كقوله : نهى عن عسيب الفحل أي عن ثمن عسبه . وفي الحديث : فشكرت الشاة أي أبدلت شكرها أي فرجها ، ومنه قول يحيى بن يعمر لرجل خاصمته إليه امرأته في مهرها : أإن سألتك ثمن شكرها وشبرك أنشأت تطلها وتضهلها والشكار : فروج النساء واحدها شكر . ويقال للفدرة من اللحم إذا كانت سمينة : شكرى ، قال الراعي :


                                                          تبيت المخالي الغر في حجراتها     شكارى مراها ماؤها وحديدها

                                                          أراد بحديدها مغرفة من حديد تساط القدر بها وتغترف بها إهالتها . وقال أبو سعيد : يقال فاتحت فلانا الحديث وكاشرته وشاكرته ; أريته أني شاكر . والشيكران : ضرب من النبت . وبنو شكر : قبيلة في الأزد . وشاكر : قبيلة في اليمن ; قال :


                                                          معاوي لم ترع الأمانة - فارعها     وكن شاكرا لله والدين - شاكر

                                                          أراد : لم ترع الأمانة شاكر فارعها وكن شاكرا لله ، فاعترض بين الفعل والفاعل جملة أخرى ، والاعتراض للتشديد قد جاء بين الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر والصلة والموصول وغير ذلك مجيئا كثيرا في القرآن وفصيح الكلام . وبنو شاكر : في همدان . وشاكر : قبيلة من همدان باليمن . وشوكر : اسم . ويشكر قبيلة في ربيعة . وبنو يشكر : قبيلة في بكر بن وائل .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية