الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل آخر .

[ ص: 359 ] فصل ( وإذا قال القاضي قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه أو بالقطع فاقطعه أو بالضرب فاضربه وسعك أن تفعل ) وعن محمد رحمه الله أنه رجع عن هذا وقال : لا تأخذ بقوله حتى تعاين الحجة ، لأن قوله يحتمل الغلط والخطأ والتدارك غير ممكن ، وعلى هذه الرواية لا يقبل كتابه . واستحسن المشايخ هذه الرواية لفساد حال أكثر القضاة في زماننا إلا في كتاب القاضي للحاجة إليه .

وجه ظاهر الرواية أنه أخبر عن أمر يملك إنشاءه فيقبل لخلوه عن التهمة ، ولأن طاعة أولي الأمر واجبة ، وفي تصديقه طاعة . وقال الإمام أبو منصور رحمه الله : إن كان عدلا عالما يقبل قوله لانعدام تهمة الخطإ والخيانة ، وإن كان عدلا جاهلا يستفسر ، فإن أحسن التفسير وجب تصديقه وإلا فلا ، وإن كان جاهلا فاسقا أو عالما فاسقا لا يقبل إلا أن يعاين سبب الحكم لتهمة الخطإ والخيانة .

التالي السابق


( فصل آخر ) [ ص: 359 ] لما كانت مسائل هذا الفصل ترجع إلى أصل واحد وهو أن قول القاضي بانفراده هل يقبل مولى ومعزولا أخره ( قوله وإذا قال القاضي قد قضيت على هذا بالرجم فارجمه أو بالقطع فاقطعه أو بالضرب فاضربه وسعك أن تفعل ) بمجرد إخباره هذا ( وعن محمد رحمه الله أنه رجع عن هذا وقال لا تأخذ بقوله حتى تعاين الحجة ) التي عنها حكم فيه بذلك . قال الفقيه أبو الليث : روي عن محمد بن سماعة عن محمد بن الحسن أنه قال : لا يسعه ذلك ما لم تكن الشهادة بحضرته ، وزاد جماعة على هذا فقالوا : أو يشهد مع القاضي شاهد عدل على ذلك ، وهذا يفيد أن القاضي يشهد ، وليس معناه إلا أن يشهد القاضي والعدل على شهادة الذين شهدوا بسبب الحد لا على حكم القاضي ، وإلا كان القاضي شاهدا على فعل نفسه ، وليس هنا من يشهد عنده إلا المأمور بإقامة الحد ، وهذا بعيد في العادة : أعني أن يشهد القاضي عند الجلاد بأنه شهد على فلان وفلان ويؤدي الآخر عنده ، ولذا اقتصر محمد على معاينة حضور الشهادة من المأمور وهذا ( لأن الغلط والخطأ في الحكم محتمل ) لأن القطع بنفيهما ليس إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ( وعلى هذا لا يقبل كتاب القاضي إلى القاضي ) لأن الاعتماد فيه على خبر القاضي الكاتب بمفرده ( واستحسن المشايخ هذه الرواية في هذا الزمان لفساد حال أكثر القضاة إلا في كتاب القاضي إلى القاضي ) لأن فيه ضرورة إحياء الحقوق ، ولما كان عدم الاعتماد معللا بالفساد والغلط اقتضى الحال التفصيل في التوقف لا إطلاقه ( فقال الإمام أبو منصور : إن كان القاضي عدلا عالما يقبل قوله لانتفاء التهمة ) في الدين بالعدالة والخطإ في الحكم بالعلم ( وإن كان عدلا جاهلا استفسر ، فإن أحسن ) في بيان سبب حكمه وشروطه ( وجب تصديقه ) للعدالة وترك المصنف قسمين آخرين وهو ما إذا كان فاسقا عالما أو جاهلا ، فإن الفسق مانع من الركون لإخباره بالاستفسار ، وحكمه بقصد المخالفة فلا يؤخذ بقوله ولا بتفسيره ( وجه الظاهر أنه أخبر عن أمر يملك إنشاءه ) في الحال ( فيقبل لخلوه عن التهمة ) لأن التهمة إنما تتحقق في إخبار بأمر لا يمكن إنشاؤه [ ص: 360 ] في الحال فيحتمل عدم المطابقة ، أما إذا كان ذلك مما يقدر على إنشائه في الحال فيجعل كأنه أنشأه في الحال بمعاينة الحاضرين ولا يخفى أن الذي يملك إنشاءه ليس إلا الحكم وهو لا يفيد ، فإن الاحتمال المانع قائم إذا عاين الحكم وإن لم يعاين الشهادة والشروط ، ولذا قال محمد : لا يسعه ذلك ما لم تكن الشهادة بحضرته ولم يقل الحكم فلا يفيد هذا الوجه شيئا . ولما زاد من زاد على ما ذكر محمد قولهم أو يشهد مع القاضي عدل على ذلك احتاجوا أن يزيدوا وجها آخر وهو أن العادة أن ينصب في كل بلدة قاض واحد ، ولو لم يكن خبر القاضي بانفراده حجة في الإلزام لقلد في كل بلدة قاضيان ، وأنت سمعت ما قدمناه في تلك الزيادة وعلمت أن الاحتمال المذكور لا يزول إلا بالعلم بسبب القضاء ، وهذا لا يتحقق عند المأمور إلا أن يحضر وقوع السبب أو يشهد عنده عدلان أنه شهد عند القاضي الآمر فلان وفلان على الوجه الفلاني ويشهدوا توفر الشروط ، وهذا لا يتوقف على تكثير القضاة بل على وجود الشهود قضاة كانوا أو لا ، فلا يلزم لذلك تكثيرهم ، فالملازمة بين عدم قبول خبره بانفراده وتكثير القضاة ممنوعة




الخدمات العلمية