الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المدرك الثالث : العرف ، وهو قسمان : فعلي ، وقولي ، والقولي قسمان : في المفردات ، والمركبات ، وعرف المفردات قسمان : في بعض أفراد الحقيقة اللغوية ، وأجنبي منها ، فالفعلي هو غلبة ملابسة بعض أنواع مسمى اللفظ ، وهو غير مقدم على اللغة ، ولا معارض للوضع ، كما لو حلف الملك لا يأكل خبزا . وعادته أكل الحوارى ، ولا نية له ، فإنه يحنث بالجريش ; لأن اللفظ لم يختص بالحوارى ، والأصل : [ ص: 28 ] اعتبار اللغة ، والقولي في بعض أفراد الحقيقة كلفظ الدابة غلب استعماله في الحمار حتى صار لا يفهم من اللفظ غيره ، وكذلك الصلاة ، وسائر العبادات ، واصطلاحات أرباب العلوم ، والصناعات ، والأجنبي من الحقيقة نحو لفظ الغائط ، فإنه المكان المطمئن ، وغلب استعماله في الفضلة الخارجة من الإنسان ، وهي ليست بعض المواضع المطمئنة ، وعرف المركبات كغلبة استعمال مركب مخصوص ومعنى مخصوص في سياق مخصوص حتى يصير أشهر فيه مما لا تقتضيه اللغة كقول القائل لغريمه لأقضينك في رأس الشهر . في قصد عدم التأخير عن هذه الغاية دون التأخير إلى رأس الشهر ، وقول القائل لامرأته : والله لا كسوتك . في إرادة التضييق دون خصوص الكسوة حتى يحنث بدفع الدراهم إليها ، وهذا القسم من العرف غير بساط اليمين ، فإن البساط حالة تتقدم الحلف تختلف في صوره ، وهذا العرف يعلمه من نفس اللفظ المركب مع الجهل بالحالة كيف كانت ، فالعرف القولي كله مقدم على اللغة ; لأنه عليه استعمال اللفظ في غير المسمى اللغوي ، فهو ناسخ للغة ، والناسخ مقدم على المنسوخ ، بخلاف الفعلي ليس معارضا للفظ النية ، ففرق بين غلبة استعمال اللفظ في غير مسماه ، وبين غلبة ملابسة بعض أنواع مسماه ، فتفطن لهذه المدارك ، فهي حسنة .

                                                                                                                تفريع : في ( الكتاب ) : الحالف ليقضينه حقه غدا ، فقضاه اليوم بر ؛ خلافا لـ ( ش ) . قال ابن يونس : قال مالك : لو سأله قرض خمسة عشر ، فحلف ليس معه إلا عشرة ، فوجدها تسعة لا يحنث ; لأن المقصود في العادة ليس معنا إلا عشرة فما دون ، ولو وجدها أحد عشر حنث . قال ابن القاسم : الحالف لا يبيع بمائة دينار يزاد للمائة دينار ، وللخمسين نصف دينار إلا أن تكون له نية ، وقال ابن عبد الحكم : يبر بأقل من ربع دينار ، وفي ( الكتاب ) : الحالف لا يكسو زيدا أو [ ص: 29 ] امرأته ، فأعطاه أو إياها ما اشترى به ثوبا حنث ، وإن افتك ثيابها من الرهن حنث ، ثم عرضتها عليه ، فقال امحها ، وأرى أن لا يحنث ( ان واشرا ثوب اوهبه ولا حنث ) .

                                                                                                                نظائر : الممحوات في ( الكتاب ) أربعة : هذه ، وإذا ولدت الأضحية ، فحسن أن يذبح معها ولدها ، وإن أبى لم أر ذلك عليه ، ثم قال : امحها ، واترك : إن ذبح فحسن . قال ابن القاسم : ولا أرى ذلك عليه واجبا ، ولا يجوز نكاح المريض والمريضة ، ويفسخ وإن دخلا ، وكان يقول : لا يثبت وإن صحا ، فمحاه ، وقال : يثبت ، وإذا سرق ولا يمين له ، أو له يمين شلاء قال : تقطع رجله اليسرى ، ثم قال : امحها ، بل يده اليسرى ، وبالأول قال ابن القاسم . قال : والحالف لا يهب لأجنبي ، أو امرأته دنانير ، فيكسوهما ، أو يعطي الرجل فرسا أو عرضا يحنث ; لأن المقصود بهذا في العادة تجنب النفع ، فإن نوى الدنانير دون غيرها نوي في الزوجة دون الرجل ; لأن العادة كراهة دفع الذهب للنساء لسوء نظرهن . قال ابن يونس : ينوى عندي في الرجل كالمرأة إذا علم من حاله سوء نظره في الذهب . قال أبو محمد : إنما يعني في الزوجة غير الثياب اللازمة ، أما اللازمة فلا يحنث ، وفي ( البيان ) : الحالف ليوفينه حقه بموضع كذا ، فلم يجده . قال ابن القاسم : لا شيء عليه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية