الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4731 (25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

                                                                                              [ 2520 ] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه" .

                                                                                              وفي رواية : " إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه ؛ فإن الله خلق آدم على صورته" .

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 244 )، والبخاري (2559)، ومسلم (2612) (114 و 115).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (25) ومن باب : إذا قاتل أحدكم

                                                                                              أخاه فلا يلطم الوجه

                                                                                              (قوله : " إذا قاتل أحدكم أخاه ، فلا يلطمن الوجه " . وفي الأخرى : " فليجتنب الوجه ، فإن الله تعالى خلق آدم على صورته ") معنى قاتل : ضرب ، وقد جاء كذلك في بعض رواياته ، وقد قلنا : إن أصل المقاتلة المدافعة ، ويعني بالأخوة هنا - والله أعلم - أخوة الآدمية ؛ فإن الناس كلهم بنو آدم ، ودل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " فإن الله خلق آدم على صورته " أي : على صورة وجه المضروب ، فكأن اللاطم في وجه أحد ولد آدم لطم وجه أبيه آدم . وعلى هذا فيحرم لطم الوجه من المسلم والكافر ، ولو أراد الأخوة الدينية لما كان للتعليل بخلق آدم على صورته معنى . لا يقال : فكافر مأمور بقتله وضربه في أي عضو كان ، إذ المقصود إتلافه ، والمبالغة [ ص: 598 ] في الانتقام منه ، ولا شك في أن ضرب الوجه أبلغ في الانتقام والعقوبة ، فلا يمنع . وإنما مقصود الحديث : إكرام وجه المؤمن لحرمته ، لأنا نقول : مسلم أنا مأمورون بقتل الكافر ، والمبالغة في الانتقام منه ، لكن إذا تمكنا من اجتناب وجهه اجتنبناه لشرفية هذا العضو ، ولأن الشرع قد نزل هذا الوجه منزلة وجه أبينا ، وتقبيح لطم الرجل وجها يشبه وجه أبي اللاطم ، وليس كذلك سائر الأعضاء ، لأنها كلها تابعة للوجه ، وهذا الذي ذكرناه هو ظاهر الحديث ، ولا يكون في الحديث إشكال يوهم في حق الله تعالى تشبيها ، وإنما أشكل ذلك على من أعاد الضمير في ( صورته ) على الله تعالى ، وذلك ينبغي ألا يصار إليه شرعا ولا عقلا ، أما العقل فيحيل الصورة الجسمية على الله تعالى ، وأما الشرع فلم ينص على ذلك نصا قاطعا ، ومحال أن يكون ذلك ، فإن النص القاطع صادق ، والصادق لا يقول المحال ، فيتعين عود الضمير على المضروب ، لأنه هو الذي سبق الكلام لبيان حكمه . وقد أعادت المشبهة هذا الضمير على الله تعالى ، فالتزموا القول بالتجسيم ، وذلك نتيجة العقل السقيم ، والجهل الصميم ، وقد بينا جهلهم ، وحققنا كفرهم فيما تقدم ، ولو سلمنا أن الضمير عائد على الله تعالى ، فللتأويل فيه وجه صحيح ، وهو أن الصورة قد تطلق بمعنى الصفة ، كما يقال : صورة هذه المسألة كذا ، أي : صفتها ، وصور لي فلان كذا فتصورته ، أي : وصفه لي ففهمته ، وضبطت وصفه في نفسي ، وعلى هذا فيكون معنى قوله : " إن الله خلق آدم على صورته " أي : خلقه موصوفا بالعلم الذي فصل به بينه وبين جميع أصناف الحيوانات ، وخصه منه بما لم يخص به أحدا من ملائكة الأرضين والسماوات ، وقد قلنا فيما تقدم : إن التسليم في المتشابهات أسلم ، والله ورسوله أعلم .




                                                                                              الخدمات العلمية