الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5033 ) مسألة ; قال : ( وإذا هلك رجل عن ابنين ومولى ، فمات أحد الابنين بعده عن ابن ، ثم مات المولى ، فالولاء لابن معتقه ; لأن الولاء للكبر . ولو هلك الابنان بعده وقبل المولى ، وخلف أحدهما ابنا ، والآخر تسعة ، كان الولاء بينهم على عددهم ، لكل واحد منهم عشره ) هذا قول أكثر أهل العلم . قال الإمام أحمد : روي هذا عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وزيد ، وابن مسعود . وروى سعيد .

                                                                                                                                            ثنا هشيم ، ثنا أشعث بن سوار ، عن الشعبي ، أن عمر ، وعليا ، وابن مسعود ، وزيدا ، كانوا يجعلون الولاء للكبر . وروي ذلك عن ابن عمر ، وأبي بن كعب ، وأبي مسعود البدري ، وأسامة بن زيد . وبه قال عطاء ، وطاوس ، وسالم بن عبد الله ، والحسن ، وابن سيرين ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وقتادة ، وابن قسيط ، ومالك ، والثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ، وداود .

                                                                                                                                            كلهم قالوا : الولاء للكبر . وتفسيره أنه يرث المولى المعتق من عصبات سيده أقربهم إليه ، وأولاهم بميراثه يوم موت العبد . قال ابن سيرين : إذا مات المعتق نظر إلى أقرب الناس إلى الذي أعتقه ، فيجعل ميراثه له ، وإذا مات السيد قبل مولاه ، لم ينتقل الولاء إلى عصبته ; لأن الولاء كالنسب ، لا ينتقل ، ولا يورث ، وإنما يورث به ، فهو باق للمعتق أبدا ، لا يزول عنه ، بدليل قوله عليه السلام : { إنما الولاء لمن أعتق }

                                                                                                                                            وقوله : { الولاء لحمة كلحمة النسب } . إنما يرث عصبة السيد مال مولاه بولاء معتقه ، لا نفس الولاء . ويتضح معنى هذا القول بمسألتي الخرقي اللتين ذكرناهما هاهنا ، وهما : إذا مات رجل عن ابنين ومولى فمات أحد الابنين بعده عن ابن ، ثم مات المولى ، ورثه ابن معتقه دون ابن ابن معتقه ; لأن ابن معتقه أقرب عصبة سيده . ولو مات السيد ، وخلف ابنه وابن ابنه ، لكان ميراثه لابنه ، دون ابن ابنه ، فكذلك إذا مات المولى . والمسألة الأخرى ، إذا هلك الابنان بعده ، وقبل مولاه ، وخلف أحدهما ابنا ، والآخر تسعة ، ثم مات المولى .

                                                                                                                                            كان ميراثه بينهم على عددهم ، لكل واحد منهم عشره ; لأن السيد لو مات كان ميراثه بينهم كذلك ، فكذلك ميراث ، مولاه ، ولو كان الولاء موروثا لانعكس الحكم في المسألتين ، فكان الميراث في المسألة الأولى بين الابن وابن الابن ; لأن الابنين ورثا الولاء عن أبيهما ، ثم ما صار للابن الذي مات انتقل إلى ابنه ، فصار ميراث المولى بينه وبين عمه نصفين . وفي المسألة الثانية يصير لابن الابن المنفرد نصف الولاء بميراثه ذلك عن ابنه [ ص: 297 ] ولبني الابن الآخر النصف بينهم على عددهم . وشذ شريح ، فقال : الولاء بمنزلة المال ، يورث عن المعتق ، فمن ملك شيئا حياته ، فهو لورثته .

                                                                                                                                            وقد حكي عن عمر ، وعلي ، وابن عباس ، وابن المسيب ، نحو هذا . وروي عن حنبل ، ومحمد بن الحكم ، عن أحمد نحوه . وغلطهما أبو بكر في روايتهما ، فإن الجماعة رووا عن أحمد مثل قول الجمهور . قال أبو الحارث : سألت أبا عبد الله عن الولاء للكبر ، فقال : كذا روي عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وزيد ، وابن مسعود ، أنهم قالوا : الولاء للكبر ، إلى هذا القول أذهب . وتفسير ذلك أن يعتق الرجل عبدا ، ثم يموت ويخلف ابنين ، فيموت أحد الابنين .

                                                                                                                                            ويخلف ابنا فولاء هذا العبد المعتق لابن المعتق ، وليس لابن الابن شيء مع الابن وحجة شريح حديث عمرو بن شعيب الذي ذكرناه ، والقياس على المال . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم { : المولى أخ في الدين ، وولي نعمة ، وأولى الناس به أقربهم من المعتق } . وقوله عليه السلام { : الولاء لمن أعتق } . وقوله : { الولاء لحمة كلحمة النسب } . ولأنه من أسباب التوارث ، فلم يورث ، كالقرابة والنكاح ، ولأنه إجماع من الصحابة ولم يظهر عنهم خلافه فلا يجوز مخالفته وحديث عمرو بن شعيب قد غلطه العلماء فيه ، ولم يصح عن أحد من الصحابة خلاف هذا القول وحكاه الشعبي والأئمة عن عمر ومن ذكرنا قولهم .

                                                                                                                                            ولا يصح اعتبار الولاء بالمال ; لأن الولاء لا يورث بدليل أنه لا يرث منه ذوو الفروض ، وإنما يورث به ، فينظر أقرب الناس إلى سيده من عصباته يوم موت العبد والمعتق ، فيكون هو الوارث للمولى دون غيره ، كما أن السيد لو مات في تلك الحال ورثه وحده ، فإذا خلف ابن مولاه ، وابن ابن مولاه ، فماله لابن مولاه . وإن خلف ابن ابن مولاه ، وتسعة بني ابن آخر لمولاه ، فماله بينهم على عددهم ، لكل واحد عشره ; لأنهم يرثون جدهم كذلك ولو خلف السيد ابنه وابن ابنه ، فمات ابنه بعده عن ابن ، ثم مات عتيقه ، فميراثه بين ابني الابن نصفين . وفي قول شريح ، هو لابن الابن الذي كان حيا عند موت ابنه

                                                                                                                                            وإن مات السيد عن أخ من أب ابن أخ من أبوين ، فمات الأخ من الأب عن ابن ، ثم مات العتيق ، فماله لابن الأخ من الأبوين . وفي قول شريح ، هو لابن الأخ من الأب . وإن لم يخلف عصبة من نسب مولاه ، فماله لمولى مولاه ، ثم لأقرب عصباته ، ثم لمولى مولاه ، فإذا انقرض عصباته وموالي الموالي وعصباتهم ، فماله لبيت المال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية