الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن شجرت الزقوم مر معنى الزقوم في الصافات وقرئ (شجرة) بكسر الشين طعام الأثيم أي الكثير الآثام والمراد به الكافر لدلالة ما قبله وما بعده عليه دون ما يعمه والعاصي المكثر من المعاصي ثم إن المراد به جنس الكافر لا واحد بعينه، وقال ابن زيد . وسعيد بن جبير : إنه هنا أبو جهل، وليس بشيء ولا دليل على ذلك بما أخرجه سعيد بن منصور عن أبي مالك من أن أبا جهل كان يأتي بالتمر والزبد فيقول: تزقموا فهذا الزقوم الذي يعدكم به محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فنزلت إن شجرت الزقوم طعام الأثيم لما لا يخفى، ومثله ما قيل: إنه الوليد. وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الأنباري . وابن المنذر عن عوف بن عبد الله أن ابن مسعود أقرأ رجلا إن شجرت الزقوم طعام الأثيم فقال الرجل طعام اليثيم فرددها عليه فلم يستقم بها لسانه فقال أتستطيع أن تقول طعام الفاجر؟ قال: نعم قال: فافعل، وأخرج الحاكم وصححه وجماعة عن أبي الدرداء أنه وقع له مثل ذلك فلما رأى الرجل أنه لا يفهم قال: إن شجرة الزقوم طعام الفاجر.

                                                                                                                                                                                                                                      واستدل بذلك على أن إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها. وتعقبه القاضي أبو بكر في الانتصار بأنه أراد أن ينبهه على أنه لا يريد اليتيم بل الفاجر فينبغي أن يقرأ (الأثيم) وأنت تعلم أن هذا التأويل لا يكاد يتأتى فيما روي عن ابن مسعود فإنه كالنص في تجويز الإبدال لذلك الرجل وأبعد منه عن التأويل ما أخرج ابن مردويه عن أبي أنه كان يقرئ رجلا فارسيا فكان إذا قرأ عليه إن شجرت الزقوم طعام الأثيم قال: طعام اليتيم فمر به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: (قل له طعام الظلام) فقالها ففصح بها لسانه، وفي الباب أخبار كثيرة جياد الأسانيد كخبر أحمد من حديث أبي هريرة (أنزل القرآن على سبعة أحرف عليما حكيما غفورا رحيما) .

                                                                                                                                                                                                                                      وكخبره من حديث أبي بكرة كله أي القرآن شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب نحو قولك تعال وأقبل وأسرع وعجل إلى غير ذلك، لكن قال الطحاوي : إنما كان ذلك رخصة لما كان يتعسر على كثير منهم التلاوة بلفظ واحد لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الكتابة والحفظ، وكذا قال ابن عبد البر والباقلاني وآخرون، ولعله إن تحقق إبدال من أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعده عليه الصلاة والسلام يقال: إنه كان منه قبل الاطلاع على النسخ ومتى لم يجز إبدال كلمة مكان كلمة مؤدية معناها مع الاتحاد عربية فعدم جواز ذلك مع الاختلاف عربية وفارسية مثلا أظهر، وما روي عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه من أنه يرى جواز قراءة القرآن بالفارسية بشرط أداء المعاني على كمالها فقد صح عنه خلافه، وقد حقق الشرنبلالي عليه الرحمة هذه المسألة في رسالة مفردة بما لا مزيد عليه، وقد تقدم في هذا الكتاب شيء من ذلك فتذكر، والطعام ما يتناول منه من الغذاء وأصله مصدر فلذا وقع خبرا عن المؤنث ولم يطابق، وجوز أن يكون ذلك من باب قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      إنارة العقل مكسوف بطوع هوى وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 133 ] فكأنه قيل: إن الزقوم طعام الأثيم

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية