الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن كان داره دون الميقات فميقاته موضعه . ومن جاوز الميقات قاصدا إلى موضع قبل مكة ثم أراد النسك أحرم من موضعه ، كما إذا دخل مكة لحاجة ثم أراد الإحرام كان ميقاته من مكة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) من كان مسكنه بين ، مكة والميقات فميقاته موضعه بلا خلاف ، لحديث ابن عباس السابق في أول الباب ، وقد سبقت هذه المسألة قال أصحابنا : فإذا كان في قرية بين ، مكة والميقات فالأفضل أن يحرم من الطرف الأبعد منها إلى مكة فإن أحرم من الطرف الأدنى إلى مكة جاز ولا دم عليه بلا خلاف كما سبق في المواقيت الخمسة . فإن خرج من قريته وفارق العمران إلى جهة مكة ثم أحرم كان آثما وعليه الدم للإساءة فإن عاد إليها سقط الدم ، وإن كان من أهل خيام استحب أن يحرم من أبعد أطراف الخيام إلى مكة ، ويجوز من الطرف الأدنى إلى مكة ، ولا يجوز أن يفارقها إلى جهة مكة غير محرم . [ ص: 209 ] وإن كان في واد استحب أن يقطع طرفيه محرما ، فإن أحرم من الطرف الأقرب إلى مكة جاز ، فإن كان في برية ساكنا منفردا بين مكة والميقات أحرم من منزله ، لا يفارقه غير محرم ، هكذا ذكر هذا التفصيل كله أصحابنا في الطريقتين ، قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : لو كان مسكنه بين مكة والميقات فتركه وقصد الميقات فأحرم منه ، جاز ولا دم عليه ، كالمكي إذا لم يحرم من مكة ، بل خرج إلى ميقات فأحرم منه جاز ولا دم عليه .



                                      ( المسألة الثانية ) إذا مر الآفاقي بالميقات غير مريد نسكا - فإن لم يكن قاصدا نحو الحرم ، ثم عن له قصد النسك بعد مجاوزة الميقات - فميقاته حيث عن له هذا القصد ، وإن كان قاصدا الحرم لحاجة فعن له النسك بعد المجاوزة ، ( فإن قلنا ) : من أراد الحرم لحاجة يلزمه الإحرام ، فهذا يأثم بمجاوزته غير محرم ، وهو كمن قصد النسك وجاوزه غير محرم ، وسنذكره إن شاء الله - تعالى - . وإن قلنا بالأصح : إنه لا يلزمه فهو كمن جاوزه غير قاصد دخول الحرم .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في هذه المسألة : قد ذكرنا أن مذهبنا أن من مسكنه بين مكة والميقات فميقاته موضعه ، وبه قال طاوس ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأبو ثور والجمهور . وقال مجاهد : يحرم من مكة . ودليلنا حديث ابن عباس السابق ( أما ) إذا جاوز الميقات غير مريد نسكا ثم أراده فقد ذكرنا أن مذهبنا أنه يحرم من موضعه ، وبه قال ابن عمر وعطاء ومالك والثوري وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن المنذر . وقال أحمد وإسحاق : يلزمه العود إلى الميقات .



                                      ( فرع ) حكى الشافعي وابن المنذر عن ابن عمر أنه أحرم من الفرع - بضم الفاء وإسكان الراء - وهو بلاد بين مكة والمدينة ، بين ذي الحليفة وبين مكة ، فتكون دون ميقات المدني ، وابن عمر مدني وهذا [ ص: 210 ] ثابت عن ابن عمر رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح ، وتأوله الشافعي وأصحابنا تأويلين : ( أحدهما ) أن يكون خرج من المدينة إلى الفرع لحاجة ولم يقصد مكة ، ثم أراد النسك فإن ميقاته مكانه ، ( والثاني ) أنه كان بمكة فرجع قاصدا إلى المدينة فلما بلغ الفرع بدا له أن يرجع إلى مكة فميقاته مكانه .




                                      الخدمات العلمية