الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شلا

                                                          شلا : الشلو والشلا : الجلد والجسد من كل شيء ، وكل مسلوخة أكل منها شيء فبقيتها شلو وشلا ; وأنشد الراعي :


                                                          فادفع مظالم عيلت أبناءنا عنا وأنقذ شلونا المأكولا

                                                          ، وفي حديث أبي رجاء : لما بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ في القتل هربنا فاستثرنا شلو أرنب دفينا . ويجمع الشلو على أشل وأشلاء ; فمن أشل حديث بكار : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم ينالون من الثعد والحلقان ، وأشل من لحم أي قطع من اللحم ، ووزنه أفعل كأضرس ، فحذفت الضمة والواو استثقالا وألحق بالمنقوص كما فعل بدلو وأدل ; ومن أشلاء حديث علي كرم الله وجهه : وأشلاء جامعة لأعضائها . والشلو والشلا : العضو من أعضاء اللحم . وفي الحديث : ائتني بشلوها الأيمن أي بعضوها الأيمن ، إما يدها أو رجلها ، والجمع أشلاء ممدود . وأشلاء الإنسان : أعضاؤه بعد البلى والتفرق . وفي حديث أبي بن كعب : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له في القوس التي أهداها له الطفيل بن عمرو الدوسي على إقرائه إياه القرآن : تقلدها شلوة من جهنم ; ويروى : شلوا من جهنم أي قطعة منها ، ومنه قيل للعضو شلو لأنه طائفة من الجسد . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : أنه سأل جبير بن مطعم عن النعمان بن المنذر أنه من ولد من هو ؟ فقال : كان من أشلاء قنص بن معد ; أراد أنه من بقايا أولاده ، وكأنه من الشلو القطعة من اللحم لأنها بقية منه . وبنو فلان أشلاء في بني فلان أي بقايا فيهم . وأشلاء اللجام : حدائده بلا سيور ; قال ابن سيده : أراه على التشبيه بالعضو من اللحم ; قال كثير عزة :


                                                          رأتني كأشلاء اللجام وبعلها     من القوم أبزى منحن متطامن

                                                          ، ويروى : عاجن متباطن ، ويروى : وزوجها من الملء ; وأنشد ابن بري :


                                                          رمى الإدلاج أيسر مرفقيها     بأشعث مثل أشلاء اللجام

                                                          والمشلى من الرجال : الخفيف اللحم . وبقيت له شلية من المال أي قليل ، وكله من الشلو . أبو زيد : ذهبت ماشية فلان وبقيت له شلية وجمعها شلايا ، ولا يقال إلا في المال . وأصل الشلو : بقية الشيء . ابن الأنباري : شلايا مقصور بقايا من أموالهم والواحدة شلية . ابن الأعرابي : الشلا بقية المال . والشلي : بقايا كل شيء . وشلا إذا سار ، وشلا إذا رفع شيئا . وقال بنو عامر لما قتلوا بني تميم يوم جبلة : لم يبق منهم إلا شلو أي بقية ، فغزوهم يوم ذي لجب فقتلتهم تميم ; وقال أوس بن حجر في ذلك :


                                                          فقلتم ذاك شلو سوف نأكله !     فكيف أكلكم الشلو الذي تركوا

                                                          واشتلى الرجل : استنقذ شلوه واسترجعه . وفي الحديث : اللص إذا قطع سبقته يده إلى النار ، فإن تاب اشتلاها ، وفي نسخة : استشلاها أي استنقذها واستخرجها ، ومعنى سبقها أنه بالسرقة استوجب النار فكانت من جملة ما يدخل النار ، فإذا قطعت سبقته إليها لأنها قد فارقته ، فإذا تاب استنقذ بنيته حتى يده . واشتلى الرجل فلانا أي أنقذ شلوه وأنشد :


                                                          إن سليمان اشتلانا ابن علي

                                                          أي أنقذ شلونا أي عضونا . وفي الحديث : أنه عليه الصلاة والسلام قال في الورك : ظاهره نسا وباطنه شلا يريد لا لحم على باطنه كأنه اشتلي ما فيه من اللحم أي أخذ . التهذيب : أشليت الكلب وقرقست به إذا دعوته . وأشلى الشاة والكلب واستشلاهما : دعاهما بإسمائهما . وأشلى دابته : أراها المخلاة لتأتيه . قال ثعلب : وقول الناس أشليت الكلب على الصيد خطأ ، وقال أبو زيد : أشليت الكلب دعوته وقال ابن السكيت : يقال أوسدت الكلب بالصيد وأسدته إذا أغريته به ، ولا يقال أشليته ، إنما الإشلاء الدعاء . يقال : أشليت الشاة والناقة إذا دعوتهما بأسمائهما لتحلبهما ; قال الراعي :


                                                          وإن بركت منها عجاساء جلة     بمحنية أشلى العفاس وبروعا

                                                          ، وهما اسما ناقتيه ; وقال الآخر :


                                                          أشليت عنزي ومسحت قعبي     ثم تهيأت لشرب قأب

                                                          وقول زياد الأعجم :


                                                          أتينا أبا عمرو فأشلى كلابه     علينا فكدنا بين بيتيه نؤكل

                                                          ، ويروى : فأغرى كلابه . قال ابن بري : المشهور في أشليت الكلب أنه دعوته ، قال : وقال ابن درستويه : من قال أشليت الكلب على الصيد فإنما معناه دعوته فأرسلته على الصيد لكن حذف فأرسلته تخفيفا واختصارا وليس حذف مثل هذا الاختصار بخطأ ، ونفس أشليت إنما هو أفعلت من الشلو فهو يقتضي الدعاء إلى الشلو ضرورة . والشلو من الحيوان : جلده وجسده وأشلاؤه أعضاؤه وأنكر أوسدت وقال : إنما هو من الوسادة ; قال ابن بري : انقضى كلام ابن درستويه وقد ثبت صحة أشليت الكلب بمعنى أغريته من أن إشلاء الكلب إنما هو مأخوذ من الشلو وأن المراد به التسليط على أشلاء الصيد وهي أعضاؤه . قال : ورأيت بخط الوزير ابن المغربي في بعض تصانيفه يذكر أنه قد أجاز الكسائي أشليت الكلب على الصيد بمعنى أغريته ، قال : لأنه يدعى ثم يوسد فوضع موضعه قال : وهذا القول الذي حكاه عن الكسائي هو المعنى الذي أشار إليه ابن درستويه في تصحيح كون الإشلاء بمعنى الإغراء . وقال الشافعي : إذا أشليت كلبك على الصيد ، فغلط ولم يغلط ; قال : وقد جاء ذلك في أشعار الفصحاء منه بيت زياد الذي أنشده الجوهري ; ومنه ما أنشده أبو [ ص: 127 ] هلال العسكري :


                                                          ألا أيها المشلي علي كلابه     ولي غير أن لم أشلهن كلاب

                                                          ، ومثله ما أنشده حبيب بن أوس في باب الملح من الحماسة :


                                                          وإنا لنجفو الضيف من غير عسرة     مخافة أن يضرى بنا فيعود
                                                          ونشلي عليه الكلب عند محله     ونبدي له الحرمان ثم نزيد

                                                          ، ومثله للفرزدق يهجو جريرا :


                                                          تشلي كلابك والأذناب شائلة     على قروم عظام الهام والقصر

                                                          فقوله : على قروم يشهد بأن الإشلاء بمعنى الإغراء ; لأن على إنما يكون مع أغريت وأشليت إذا كانت بمعناها ، وإذا قلت أشليت بمعنى دعوت لم تحتج إلى ذكر على . وفي حديث مطرف بن عبد الله قال : وجدت العبد بين الله وبين الشيطان فإن استشلاه ربه نجاه وإن خلاه والشيطان هلك . أبو عبيد : استشلاه أي استنقذه من الهلكة وأخذه ، وكذلك اشتلاه ; ومنه قول حميد الأرقط :


                                                          قد اشتلانا عفوه وكرمه

                                                          أي استنقذنا وقيل : هو من الدعاء ; قال حاتم طيئ يذكر ناقة دعاها فأقبلت إليه :


                                                          أشليتها باسم المراح فأقبلت     رتكا وكانت قبل ذلك ترسف

                                                          قال : فأراد مطرف أن الله إن أغاث عبده ودعاه فأنقذه من الهلكة فقد نجا ، وذلك الاستشلاء ; وقال القطامي يمدح رجلا :


                                                          قتلت كلبا وبكرا واشتليت بنا     فقد أردت بأن يستجمع الوادي

                                                          وقوله : اشتليت واستشليت سواء في المعنى ، وكل من دعوته فقد أشليته ، وكل من دعوته حتى تخرجه وتنجيه من الضيق أو من الهلكة أو من موضع أو مكان فقد استشليته واشتليته وأنشد بيت القطامي .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية