الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل ) [ ص: 383 ]

وما يتحمله الشاهد على ضربين : أحدهما ما يثبت حكمه بنفسه مثل البيع والإقرار والغصب والقتل وحكم الحاكم ، فإذا سمع ذلك الشاهد أو رآه وسعه أن يشهد به وإن لم يشهد عليه ( لأنه علم ما هو الموجب بنفسه ) وهو الركن في إطلاق الأداء .

قال الله تعالى { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } وقال النبي عليه الصلاة والسلام { إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع } قال ( ويقول أشهد أنه باع ولا يقول أشهدني ) لأنه كذب ، ولو سمع من وراء الحجاب لا يجوز له أن يشهد ، ولو فسر للقاضي لا يقبله لأن النغمة تشبه النغمة فلم يحصل العلم إلا [ ص: 384 ] إذا كان دخل البيت وعلم أنه ليس فيه أحد سواه ثم جلس على الباب وليس في البيت مسلك غيره فسمع إقرار الداخل ولا يراه له أن يشهد لأنه حصل العلم في هذه الصورة .

التالي السابق


( فصل يتعلق بكيفية الأداء ومسوغه ) [ ص: 383 ] قوله وما يتحمله الشاهد على قسمين : أحدهما ما يثبت حكمه بنفسه ) أي يكون هو تمام السبب لذلك الحكم قولا كان مثل البيع والطلاق والإقرار وحكم الحاكم . أو فعلا كالغصب والقتل ، فإذا سمع الشاهد القول كأن سمع قاضيا يشهد جماعة ما على حكمه أو رأى الفعل كالقتل والغصب وسعه أن يشهد بذلك فيقول أشهد أنه باع [ ص: 384 ] أشهد أنه قضى ، فلو كان البيع بيع معاطاة ففي الذخيرة يشهدون على الأخذ والإعطاء . وقيل يشهدون على البيع كالقولي ، ولا يقول أشهدني لأنه كذب ، وإنما جاز الأداء بلا إشهاد لأنه علم الموجب بنفسه ، وهو أي علم الموجب الركن المسوغ لأداء الشهادة لأنه لا حقيقة لمسوغ الأداء سواه . وقوله في إطلاق يعني مطلق الأداء . واستدل على تسويغ الشرع للأداء في ذلك بقوله تعالى { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } فأفاد أن من شهد عالما بحق كان ممدوحا فلزم أن ذلك مطلق شرعا وإلا لم يكن ممدوحا . وقال عليه الصلاة والسلام { إذا علمت مثل الشمس فاشهد } فأمر بالشهادة عند العلم يقينا ، فعن هذا صرحوا بأنه لو قال له لا تشهد علي بما سمعته مني ثم قال بحضرته لرجل بقي لك علي كذا وغير ذلك حل له ، بل يجب أن يشهد عليه بذلك . وفي الخلاصة : اشترى عبدا وادعى على البائع عيبا به فلم يثبته فباعه من رجل فادعى المشتري الثاني عليه هذا العيب فأنكر ، فالذين سمعوا منه حل لهم أن يشهدوا على العيب في الحال . والحديث رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في المعرفة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال : هل ترى الشمس ؟ قال نعم ، قال : على مثلها فاشهد أو دع } صححه الحاكم . وتعقبه الذهبي بأن محمد بن سليمان بن مشمول ضعفه غير واحد انتهى . والمعلوم أن النسائي ضعفه ، ووافقه ابن عدي ، وفي العبارة المذكورة ما يفيد أنه مختلف فيه . ولو سمع من وراء حجاب كثيف لا يشف من ورائه لا يجوز له أن يشهد ، ولو شهد وفسره للقاضي بأن قال سمعته باع ولم أر شخصه حين تكلم لا يقبله لأن النغمة تشبه النغمة إلا إذا أحاط بعلم ذلك لأن المسوغ هو العلم غير أن رؤيته متكلما بالعقد طريق العلم به فإذا فرض تحقق طريق آخر جاز ، وذلك بأن يكون دخل البيت فرآه فيه وعلم أنه ليس به أحد غيره ولا منفذ غير الباب وهو قد جلس عليه وسمع الإقرار أو البيع فإنه حينئذ يجوز له الشهادة عليه بما سمع لأنه حصل به العلم في هذه الصورة . ونحوه ما في الأقضية : ادعى على ورثة مالا فقالا نشهد أن فلانا المتوفى قبض من المدعي صرة فيها دراهم [ ص: 385 ] ولم يعلما كم وزنها إن فهما قدرها وأنها دراهم وأن كلها جياد بما يقع عليه يقينهما بذلك فإذا شهدا به جاز . وفي الفتاوى : إذا أقرت المرأة من وراء حجاب لا يجوز لمن سمع أن يشهد على إقرارها إلا إذا رأى شخصها فحينئذ يجوز . أجمل في هذه المسألة ووضعها في الخلاصة وغيرها هكذا الشهادة على امرأة لا يعرفها سأل ابن محمد بن الحسن أبا سليمان عنها قال : لا يجوز حتى يشهد جماعة أنها فلانة أما عند أبي يوسف وأبيك فيجوز إذا شهد عنده عدلان أنها فلانة . وهل يشترط رؤية وجهها ؟ اختلف المشايخ فيه ، منهم من لم يشترط وإليه مال الإمام خواهر زاده . وفي النوازل قال : يشترط رؤية شخصها . وفي الجامع الأصغر : يشترط رؤية وجهها ، وأنت تعلم أنه لا بد من معرفة تفيد التمييز عند الأداء عليها ، فإذا ثبت أن التعريف يفيد التمييز لزم أن لا حاجة إلى رؤية وجهها ولا شخصها كما اختاره شيخ الإسلام خواهر زاده ، إلا إذا لم يوجد من يعرفها ، وإذا وجد حينئذ يجري الخلاف المذكور أنه يكفي في المعرفة عدلان أو لا بد من جماعة ، ويوافقه ما في المنتقى : تحمل الشاهد الشهادة على امرأة فماتت فشهدا عنده أن المقرة فلانة جاز له أن يشهد عليها ، نقله في الخلاصة . وفي المحيط : شهدا على امرأة سمياها ونسياها وكانت [ ص: 386 ] حاضرة ، فقال القاضي أتعرفانها ، فإن قالا لا لا تقبل شهادتهما ، ولو قالا تحملناها على المسماة بفلانة بنت فلان الفلانية ولا ندري أنها هذه أم لا صحت الشهادة وكلف المدعي أن يأتي بآخرين يشهدان أنها فلانة بنت فلان ، بخلاف الأول لأنهما هناك أقرا بالجهالة فبطلت الشهادة ، فهذا ونحوه يفيد ما قلناه .




الخدمات العلمية