الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء فيمن لا تجوز شهادته

                                                                                                          2298 حدثنا قتيبة حدثنا مروان الفزاري عن يزيد بن زياد الدمشقي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا مجلود حدا ولا مجلودة ولا ذي غمر لأخيه ولا مجرب شهادة ولا القانع أهل البيت لهم ولا ظنين في ولاء ولا قرابة قال الفزاري القانع التابع هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن زياد الدمشقي ويزيد يضعف في الحديث ولا يعرف هذا الحديث من حديث الزهري إلا من حديثه وفي الباب عن عبد الله بن عمرو قال ولا نعرف معنى هذا الحديث ولا يصح عندي من قبل إسناده والعمل عند أهل العلم في هذا أن شهادة القريب جائزة لقرابته واختلف أهل العلم في شهادة الوالد للولد والولد لوالده ولم يجز أكثر أهل العلم شهادة الوالد للولد ولا الولد للوالد وقال بعض أهل العلم إذا كان عدلا فشهادة الوالد للولد جائزة وكذلك شهادة الولد للوالد ولم يختلفوا في شهادة الأخ لأخيه أنها جائزة وكذلك شهادة كل قريب لقريبه وقال الشافعي لا تجوز شهادة لرجل على الآخر وإن كان عدلا إذا كانت بينهما عداوة وذهب إلى حديث عبد الرحمن الأعرج عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا لا تجوز شهادة صاحب إحنة يعني صاحب عداوة وكذلك معنى هذا الحديث حيث قال لا تجوز شهادة صاحب غمر لأخيه يعني صاحب عداوة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن يزيد بن زياد الدمشقي ) أو ابن أبي زياد القرشي ، متروك من السابعة .

                                                                                                          قوله : ( لا تجوز ) أي لا تصح ( شهادة خائن ولا خائنة ) قال القاري في المرقاة : أي المشهور بالخيانة في أمانات الناس دون ما ائتمن الله عليه عباده من أحكام الدين ، كذا قاله بعض علمائنا من الشراح ، قال القاضي : ويحتمل أن يكون المراد به الأعم منه وهو الذي يخون فيما ائتمن عليه ، سواء ما ائتمنه الله عليه من أحكام الدين أو الناس من الأموال قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم انتهى ، فالمراد بالخائن هو الفاسق وهو من فعل كبيرة أو [ ص: 478 ] أصر على الصغائر ، انتهى ما في المرقاة ، وقال في النيل : صرح أبو عبيد بأن الخيانة تكون في حقوق الله كما تكون في حقوق الناس من دون اختصاص ( ولا مجلود حدا ) أي حد القذف ، قال ابن الملك : هو من جلد في حد القذف وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى أن المجلود فيه لا تقبل شهادته أبدا وإن تاب ، وقال القاضي : أفرد المجلود حدا وعطفه عليه لعظم جنايته ، وهو يتناول الزاني غير المحصن والقاذف والشارب ، قال المظهر : قال أبو حنيفة : إذا جلد قاذف لا تقبل شهادته أبدا وإن تاب ، وأما قبل الجلد فتقبل شهادته ، وقال غيره : القذف من جملة الفسوق لا يتعلق بإقامة الحد بل إن تاب قبلت شهادته سواء جلد أو لم يجلد ، وإن لم يتب لم تقبل شهادته سواء جلد أو لم يجلد .

                                                                                                          قلت : قوله من قال إن المجلود تقبل شهادته بعد التوبة ، هو القول الراجح المنصور كما حققه الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين ، والحافظ ابن حجر في الفتح ( ولا ذي غمر ) بكسر فسكون أي حقد وعداوة ( لإحنة ) بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة وبالنون ، قال في القاموس الإحنة بالكسر الحقد والغضب ، وقال في النهاية : الإحنة العداوة ويجيء حنة بهذا المعنى على قلة ، انتهى ، ووقع في بعض النسخ الموجودة عندنا لأخيه بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة ، وكذا وقع عند الدارقطني وغيره ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود بلفظ : ولا ذي غمر على أخيه ( ولا مجرب شهادة ) أي في الكذب ( ولا القانع أهل البيت ) أي الذي يخدم أهل البيت كالأجير وغيره ( لهم ) أي لأهل البيت لأنه يجر نفعا بشهادته إلى نفسه لأن ما حصل من المال للمشهود له يعود نفعه إلى الشاهد لأنه يأكل من نفقته ، ولذلك لا تقبل شهادة من جر نفعا بشهادته إلى نفسه كالوالد يشهد لولده ، أو الولد لوالده ، أو الغريم يشهد بمال للمفلس على أحد .

                                                                                                          ( ولا ظنين ) أي متهم ( في ولاء ) بفتح الواو وهو الذي ينتمي إلى غير مواليه ( ولا قرابة ) قال القاري في المرقاة : أي ولا ظنين في قرابة وهو الذي ينتسب إلى غير ذويه وإنما رد شهادته لأنه ينفي الوثوق به عن نفسه ، كذا قال بعض علمائنا من الشراح ، وقال المظهر : يعني من قال أنا عتيق فلان وهو كاذب فيه بحيث يتهمه الناس في قوله ويكذبونه ، لا تقبل شهادته لأنه فاسق ; لأن قطع الولاء عن المعتق وأبنائه لمن ليس بمعتقه كبيرة وراكبها فاسق ، كذلك الظنين في القرابة وهو الداعي القائل أنا ابن فلان أو أنا أخو فلان من النسب والناس يكذبونه فيه ، انتهى ما في المرقاة .

                                                                                                          [ ص: 479 ] قوله : ( هذا حديث غريب ) وأخرجه الدارقطني والبيهقي وفيه ( ولا ذي غمر لأخيه ) ، وفي سنده يزيد بن زياد الدمشقي وهو متروك كما عرفت ، وقال أبو زرعة في العلل : هو حديث منكر ، وضعفه عبد الحق وابن حزم وابن الجوزي .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن عبد الله بن عمرو ) أخرجه أبو داود بلفظ : لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه ورد شهادة القانع لأهل البيت ، ورواه ابن ماجه أيضا ، وفي الباب أيضا عن أبي هريرة بلفظ لا تجوز شهادة ذي الظنة ولا ذي الحنة رواه الحاكم والبيهقي وفي الباب أيضا من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب نحو حديث عائشة أخرجه الدارقطني والبيهقي ، وفي إسناده عبد الأعلى وهو ضعيف ، شيخه يحيى بن سعيد الفارسي وهو أيضا ضعيف ، قال البيهقي : لا يصح من هذا شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي الباب أيضا عن عمر : " لا تقبل شهادة ظنين ولا خصم " أخرجه مالك في الموطإ موقوفا وهو منقطع .

                                                                                                          قوله : ( ولا نعرف معنى هذا الحديث ) أي معنى قوله ولا ظنين في ولاء ولا قرابة فإنه بظاهره يوهم أنه لا يجوز شهادة قريب لقريب له ولم يقل بإطلاقه أحد ، ولكن إذا فسر هذا بما ذكرنا فلا إشكال والله تعالى أعلم ( والعمل عند أهل العلم في هذا أن شهادة القريب جائزة لقرابته ) أي وظاهر قوله ولا ظنين في ولاء ولا قرابة يدل على خلافه ، ولذلك قال الترمذي : لا نعرف معنى هذا الحديث ( واختلف أهل العلم في شهادة الوالد للولد إلخ ) قال الشوكاني في النيل : اختلف في شهادة الولد لوالده والعكس ، فمنع من ذلك الحسن البصري والشعبي وزيد بن علي والمؤيد بالله والإمام يحيى والثوري ومالك والشافعية والحنفية وعللوا بالتهمة فكان كالقانع وقال عمر بن الخطاب وشريح وعمر بن عبد العزيز والعترة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في قوله إنها تقبل لعموم قوله تعالى ذوي عدل انتهى ، قلت : والظاهر عندي هو قول المانعين والله تعالى [ ص: 480 ] أعلم .

                                                                                                          ( وقال الشافعي لا تجوز شهادة الرجل على الآخر وإن كان عدلا إذا كان بينهما عداوة إلخ ) قيل اعتمد الشافعي خبرا صحيحا وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال : لا تقبل شهادة خصم على خصم ، قال الحافظ : ليس له إسناد صحيح لكن له طرق يتقوى بعضها ببعض فروى أبو داود في المراسيل من حديث طلحة بن عبد الله بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مناديا أنها لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ، ورواه أيضا البيهقي من طريق الأعرج مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تجوز شهادة ذي الظنة والحنة يعني الذي بينك وبينه عداوة ، رواه الحاكم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة ، يرفعه مثله ، وفي إسناده نظر .




                                                                                                          الخدمات العلمية