الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد ( 26 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ويجيب الذين آمنوا بالله ورسوله ، وعملوا بما أمرهم الله به ، وانتهوا عما نهاهم عنه لبعضهم دعاء بعض .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 534 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبوكريب قال : ثنا عثام قال : ثنا الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن سلمة بن سبرة قال : خطبنا معاذ ، فقال : أنتم المؤمنون ، وأنتم أهل الجنة ، والله إني لأرجو أن من تصيبون من فارس والروم يدخلون الجنة ، ذلك بأن أحدهم إذا عمل لأحدكم العمل قال : أحسنت رحمك الله ، أحسنت غفر الله لك ، ثم قرأ : ( ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله ) .

وقوله : ( ويزيدهم من فضله ) يقول - تعالى ذكره - : ويزيد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع إجابته إياهم دعاءهم ، وإعطائه إياهم مسألتهم من فضله على مسألتهم إياه ، بأن يعطيهم ما لم يسألوه . وقيل : إن ذلك الفضل الذي ضمن - جل ثناؤه - أن يزيدهموه ، هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم إذا هم شفعوا في إخوانهم ، فشفعوا فيهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن إبراهيم النخعي في قول الله عز وجل : ( ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) قال : يشفعون في إخوانهم ، ويزيدهم من فضله ، قال : يشفعون في إخوان إخوانهم .

وقوله : ( والكافرون لهم عذاب شديد ) يقول - جل ثناؤه - : والكافرون بالله لهم يوم القيامة عذاب شديد على كفرهم به .

واختلف أهل العربية في معنى قوله ( ويستجيب الذين آمنوا ) فقال بعضهم : أي استجاب فجعلهم هم الفاعلين ، فالذين في قوله رفع والفعل لهم . وتأويل الكلام على هذا المذهب : واستجاب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم إلى الإيمان به ، والعمل بطاعته إذا دعاهم إلى ذلك . [ ص: 535 ]

وقال آخر منهم : بل معنى ذلك : ويجيب الذين آمنوا . وهذا القول يحتمل وجهين : أحدهما الرفع ، بمعنى ويجيب الله الذين آمنوا . والآخر ما قاله صاحب القول الذي ذكرنا .

وقال بعض نحوي الكوفة ( ويستجيب الذين آمنوا ) يكون " الذين " في موضع نصب بمعنى : ويجيب الله الذين آمنوا . وقد جاء في التنزيل ( فاستجاب لهم ربهم ) والمعنى : فأجاب لهم ربهم ، إلا أنك إذا قلت استجاب ، أدخلت اللام في المفعول؛ وإذا قلت أجاب حذفت اللام ، ويكون استجابهم بمعنى : استجاب لهم ، كما قال - جل ثناؤه - : ( وإذا كالوهم أو وزنوهم ) والمعنى والله أعلم : وإذا كالوا لهم ، أو وزنوا لهم ( يخسرون ) . قال : ويكون " الذين " في موضع رفع إن يجعل الفعل لهم ، أي الذين آمنوا يستجيبون لله ، ويزيدهم على إجابتهم ، والتصديق به من فضله . وقد بينا الصواب في ذلك من القول على ما تأوله معاذ ومن ذكرنا قوله فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية