الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب منه

                                                                                                          2302 حدثنا واصل بن عبد الأعلى حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن علي بن مدرك عن هلال بن يساف عن عمران بن حصين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثلاثا ثم يجيء قوم من بعدهم يتسمنون ويحبون السمن يعطون الشهادة قبل أن يسألوها قال أبو عيسى وهذا حديث غريب من حديث الأعمش عن علي بن مدرك وأصحاب الأعمش إنما رووا عن الأعمش عن هلال بن يساف عن عمران بن حصين حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث حدثنا وكيع عن الأعمش حدثنا هلال بن يساف عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وهذا أصح من حديث محمد بن فضيل قال ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها إنما يعني شهادة الزور يقول يشهد أحدهم من غير أن يستشهد وبيان هذا في حديث عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل ولا يستشهد ويحلف الرجل ولا يستحلف ومعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها هو عندنا إذا أشهد الرجل على الشيء أن يؤدي شهادته ولا يمتنع من الشهادة هكذا وجه الحديث عند بعض أهل العلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن علي بن مدرك ) النخعي أبي مدرك الكوفي ، ثقة من الرابعة .

                                                                                                          قوله : ( خير الناس قرني ) أي الذين أدركوني وآمنوا بي وهم أصحابي ( ثم الذين يلونهم ) أي يقربونهم في الرتبة أو يتبعونهم في الإيمان والإيقان وهم التابعون ( ثم الذين يلونهم ) وهم أتباع التابعين ، والمعنى أن الصحابة والتابعين وتبعهم هؤلاء القرون الثلاثة المرتبة في الفضيلة ففي النهاية : القرن أهل كل زمان وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان ، مأخوذ من الاقتران فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم ، وقيل القرن أربعون سنة وقيل ثمانون ، وقيل مائة ، وقيل هو مطلق من الزمان ، وهو مصدر قرن يقرن ، قال السيوطي : والأصح أنه لا ينضبط بمدة فقرنه صلى الله عليه وسلم هم الصحابة وكانت مدتهم من المبعث إلى آخر من مات من الصحابة مائة وعشرين سنة ، وقرن التابعين من مائة سنة إلى نحو سبعين ، وقرن أتباع التابعين من ثم إلى نحو العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا ، وأطلقت المعتزلة ألسنتها ، ورفعت الفلاسفة رءوسها ، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن ، وظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : ثم يفشو الكذب ( ثم الذين [ ص: 483 ] يلونهم ثلاثا ) كذا في بعض النسخ ، وليس هذا في بعضها ، وفي رواية البخاري في فضائل الصحابة : خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا ، قال الحافظ : وقع مثل هذا الشك في حديث ابن مسعود وأبي هريرة عند مسلم وفي حديث بريدة عند أحمد ، وجاء في أكثر الطرق بغير شك منها عن النعمان بن بشير عند أحمد ، وعن مالك عند مسلم عن عائشة : قال رجل : يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال : القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث ، ووقع في حديث جعدة بن هبيرة عند ابن أبي شيبة والطبراني إثبات القرن الرابع ولفظه : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الآخرون أردأ ، ورجاله ثقات إلا أن جعدة مختلف في صحبته ، انتهى .

                                                                                                          ( يتسمنون ) أي يتكبرون بما ليس فيهم ، ويدعون ما ليس لهم من الشرف ، وقيل أراد جمعهم الأموال وقيل يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهي أسباب السمن ، وقال التوربشتي : كنى به عن الغفلة وقلة الاهتمام بأمر الدين ، فإن الغالب على ذوي السمانة أن لا يهتموا بارتياض النفوس بل معظم همتهم تناول الحظوظ والتفرغ للدعة والنوم ، وفي شرح مسلم : قالوا : المذموم من السمن ما يستكسب وأما ما هو خلقة فلا يدخل في هذا ، انتهى .

                                                                                                          ( ويحبون السمن ) بكسر السين وفتح الميم مصدر سمن بالكسر والضم سمانة بالفتح وسمنا كعنب فهو سامن وسمين .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث غريب ) أصله في الصحيحين ( وأصحاب الأعمش ) يعني غير محمد بن فضيل ( إنما رووا عن الأعمش عن هلال بن يساف ) يعني بغير ذكر علي بن مدرك ، قوله : ( وهذا أصح من حديث محمد بن فضيل ) أي حديث وكيع عن الأعمش عن هلال بن يساف بغير ذكر علي بن مدرك أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش عن علي بن مدرك عن هلال بن يساف لأنه تفرد بذكره ، وقد روى غير واحد من أصحاب الأعمش مثل رواية وكيع .

                                                                                                          قوله : ( وبيان هذا في حديث عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم إلخ ) أخرجه الترمذي في باب [ ص: 484 ] لزوم الجماعة من أبواب الفتن ( هو إذا استشهد الرجل على الشيء أن يؤدي شهادته ولا يمتنع من الشهادة هكذا وجه الحديث عند بعض أهل العلم ) ذكر النووي ثلاثة وجوه من التأويل في هذا الحديث كما عرفتها ، وذكر التأويل الثالث بقوله : إنه محمول على المجاز والمبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله ، كما يقال : الجواد يعطي قبل السؤال أي يعطي سريعا عقب السؤال من غير توقف ، انتهى ، وإلى هذا التأويل أشار الترمذي بقوله : هو إذا استشهد إلخ والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية