الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ( 45 ) )

يقول - تعالى ذكره - : وترى يا محمد الظالمين يعرضون على النار ( خاشعين من الذل ) يقول : خاضعين متذللين .

كما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : [ ص: 553 ] الخشوع : الخوف والخشية لله عز وجل ، وقرأ قول الله عز وجل : ( لما رأوا العذاب ) . . . إلى قوله : ( خاشعين من الذل ) قال : قد أذلهم الخوف الذي نزل بهم وخشعوا له .

حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله : ( خاشعين ) قال : خاضعين من الذل .

وقوله : ( ينظرون من طرف خفي ) يقول : ينظر هؤلاء الظالمون إلى النار حين يعرضون عليها من طرف خفي .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( من طرف خفي ) فقال بعضهم : معناه : من طرف ذليل . وكأن معنى الكلام : من طرف قد خفي من ذلة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ) . . . إلى قوله : ( من طرف خفي ) يعني بالخفي : الذليل .

حدثنا محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى : وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله عز وجل : ( من طرف خفي ) قال : ذليل .

وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهم يسارقون النظر .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ينظرون من طرف خفي ) قال : يسارقون النظر .

حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي ( من طرف خفي ) قال : يسارقون النظر . [ ص: 554 ]

واختلف أهل العربية في ذلك ، فقال بعض نحويي البصرة في ذلك : جعل الطرف العين ، كأنه قال : ونظرهم من عين ضعيفة ، والله أعلم . قال : وقال يونس : إن ( من طرف ) مثل بطرف ، كما تقول العرب : ضربته في السيف ، وضربته بالسيف .

وقال آخر منهم : إنما قيل : ( من طرف خفي ) لأنه لا يفتح عينيه ، إنما ينظر ببعضها .

وقال آخرون منهم : إنما قيل : ( من طرف خفي ) لأنهم ينظرون إلى النار بقلوبهم ، لأنهم يحشرون عميا .

والصواب من القول في ذلك ، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ومجاهد ، وهو أن معناه : أنهم ينظرون إلى النار من طرف ذليل ، وصفه الله - جل ثناؤه - بالخفاء للذلة التي قد ركبتهم ، حتى كادت أعينهم أن تغور ، فتذهب .

وقوله : ( وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) يقول - تعالى ذكره - : وقال الذين آمنوا بالله ورسوله : إن المغبونين الذين غبنوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة في الجنة .

كما حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله : ( الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ) قال : غبنوا أنفسهم وأهليهم في الجنة .

وقوله : ( ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ) يقول - تعالى ذكره - : ألا إن الكافرين يوم القيامة في عذاب لهم من الله مقيم عليهم ، ثابت لا يزول عنهم ، ولا يبيد ، ولا يخف .

التالي السابق


الخدمات العلمية