الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يؤاخذ المكلف بلا حجر ) أي حال كونه غير محجور عليه احترازا من الصبي ، والمجنون ، والسفيه ، والمكره فلا يلزمهم إقرار وكذا السكران ودخل في كلامه السفيه المهمل على قول مالك ، وهو الراجح ، والرقيق المأذون له في التجارة ، والمكاتب فيلزمهم لعدم الحجر وكذا المريض ، والزوجة ، وأما الحجر عليهما في زائد الثلث فمخصوص بالتبرعات ( بإقراره ) أي اعترافه ( لأهل ) أي لمتأهل [ ص: 398 ] وقابل أن يملك ولو باعتبار المآل كالحمل ، أو باعتبار ما يتعلق به من إصلاح لبقاء عينه ، أو استحقاق كالوقف ، والمسجد فيصح الإقرار لهما وخرج عن الأهل نحو الدابة ، والحجر ( لم يكذبه ) نعت لأهل أي لأهل غير مكذب للمقر في إقراره له فإن كذبه تحقيقا نحو ليس لي عليك شيء ، أو احتمالا نحو لا علم لي بذلك بطل الإقرار إن استمر التكذيب ، وإنما يعتبر التكذيب من الرشيد فتكذيب الصبي ، والسفيه لغو ( ولم يتهم ) المقر في إقراره ، والواو للحال لا للعطف لاختلاف الفاعل إذ فاعل يكذب يعود على أهل وفاعل يتهم يعود على المقر ، والعطف يقتضي اتحاده وقيد عدم الاتهام إنما يعتبر في المريض ونحوه ، والصحيح المحجور عليه لإحاطة الدين بماله الذي حجر عليه فيه .

التالي السابق


باب في الإقرار اعلم أن الإقرار خبر كما لابن عرفة ولا يتوهم من إيجابه حكما على المقر أنه إنشاء كبعت ، بل هو خبر كالدعوى ، والشهادة ، والفرق بين الثلاثة أن الإخبار إن كان حكمه قاصرا على قائله فهو الإقرار ، وإن لم يقصر على قائله فإما أن لا يكون للمخبر فيه نفع ، وهو الشهادة ، أو يكون ، وهو الدعوى ا هـ .

بن ( قوله ، والسفيه ) أي وكذلك الرقيق بالنسبة للمال فكل منهما ، وإن كان مكلفا لكنه محجور عليه بالنسبة للمال ( قوله ، والمكره ) أي ; لأنه غير مكلف ( قوله وكذا السكران ) أي فلا يؤاخذ بإقراره ; لأنه ، وإن كان مكلفا إلا أنه محجور عليه في المال كما ذكره بن وشيخنا العدوي وكما لا يلزمه إقراره لا تلزمه سائر عقوده من بيع ، وإجارة ، وهبة وصدقة وحبس بخلاف جناياته فإنها تلزمه ( قوله ودخل في كلامه ) أي في المكلف الملتبس بعدم الحجر السفيه المهمل فيصح إقراره على قول مالك ; لأن المانع من تصرف السفيه عند مالك الحجر ، وأما عند ابن القاسم فالمانع السفه كما مر ( قوله وكذا المريض ، والزوجة ) أي فيصح الإقرار منهما ولو بأزيد من ثلثهما حيث كان المقر له غير متهم عليه ، وإلا منع إقرارهما له ولو في الثلث .

( قوله فمخصوص بالتبرعات ) أي ، والإقرار بما في الذمة ليس من التبرعات حتى يحجر عليه في زائد الثلث وحينئذ فمعنى قول المصنف يؤخذ المكلف بلا حجر معناه الموصوف بعدم الحجر عليه في المعاوضات فدخل في كلامه من ذكر إذ كل من الزوجة ، والمريض لا يحجر عليه في المعاوضات ، وإن حجر عليه في التبرعات بالنسبة لما زاد على ثلثه ( قوله بإقراره ) [ ص: 398 ] يؤخذ منه أن المال المقر به لا يشترط فيه أن يكون معلوما حيث لم يقل بإقراره بمال معلوم ، وهو كذلك ( قوله وقابل أن يملك ) أي الشيء المقر به هذا إذا كان قابلا لملكه في الحال ولو كان قابلا لملكه باعتبار المآل أي الزمان المستقبل بالنسبة لزمن الإقرار هذا إذا كان المقر له متأهلا وقابلا للمقر به باعتبار ذاته ، بل ولو باعتبار ما يتعلق به من إصلاح لبقاء عينه ، أو لاستحقاقه ( قوله كالحمل ) أي يقر له بأن له عنده شيئا من ميراث أبيه ، أو من هبة ، أو صدقة فالإقرار بذلك صحيح ; لأن الحمل قابل لملك ذلك باعتبار المآل ( قوله من إصلاح ) بيان لما يتعلق ( قوله فيصح الإقرار لهما ) أي ; لأن المسجد قابل لملك المقر به باعتبار ما يتعلق به من الإصلاح لأجل بقاء عينه ، والوقف قابل لملك المقر به باعتبار إصلاحه لأجل أخذ المستحقين له الغلة ، أو لأجل سكناهم فيه ( قوله وخرج عن الأهل نحو الدابة ، والحجر ) أي فلا يؤاخذ بإقراره لهما ، بل هو باطل اللهم إلا أن يقر لأجل إصلاح الحجر في كسبيل ، أو لعلف الدابة في جهاد تأمل ( قوله أي لأهل غير مكذب للمقر في إقراره له ) أي ، بل مصدق له ، وإنما اشترط في صحة الإقرار تصديق المقر له للمقر ; لأنه لا يدخل مال الغير في ملك أحد جبرا فيما عدا الميراث ( قوله إن استمر التكذيب ) أي فيهما فإن رجع المقر له إلى تصديق المقر في الأولى فأنكر المقر عقب تصديق المقر له فهل يصح إقراره ، أو يبطل قولان الثاني منهما .

هو الذي في النوادر وعليه اقتصر ابن الحاجب ، والقول الأول هو الذي عزاه ابن رشد للمدونة انظر كلامه في ح ا هـ .

بن ، وأما إن رجع المقر له إلى تصديق المقر في الثانية فأنكر المقر عقب تصديق المقر له صح الإقرار ولا عبرة بإنكار المقر بعد ذلك ، وأولى إن رجع المقر له لتصديق المقر ولم يحصل من المقر إنكار ( قوله لغو ) أي وحينئذ فيلزم المقر ما أقر به لهما ، وإن كذباه ( قوله ولم يتهم المقر في إقراره ) أي فإن اتهم بإقراره لملاطفة ونحوه بطل ( قوله ، والواو للحال ) أي وصاحب الحال هو المكلف ( قوله ، والعطف يقتضي اتحاده ) فيه إن هذا مسلم في مجرد عطف الفعل على الفعل عطف مفردات نحو أكل وشرب زيد لا في عطف الجملة على الجملة نحو ضرب زيد وقام عمرو وما .

هنا من هذا القبيل تأمل ( قوله ونحوه ) أي مثل حامل مقرب وحاضر صف القتال ومحبوس لقتل ، أو قطع ( قوله ، والصحيح إلخ ) المراد به المفلس واعترضه بن بأن إقرار المفلس المحجور عليه لمن يتهم عليه لازم يتبع به في ذمته ، وإن كان المقر له لا يحاصص به مع الغرماء خلافا لما يوهمه كلامه من بطلان الإقرار فالصواب أن عدم الاتهام إنما يعتبر في إقرار المريض فقط فإن أقر الصحيح لمن يتهم كان إقراره له لازما .




الخدمات العلمية