الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
في بيان المفاسد وهي ضربان : ضرب حرم الله قربانه ، وضرب كره الله إتيانه ، والمفاسد ما حرم الله قربانه رتبتان إحداهما : رتبة الكبائر وهي منقسمة إلى الكبير والأكبر والمتوسط بينهما ، فالأكبر أعظم الكبائر مفسدة .

وكذلك الأنقص فالأنقص ، ولا تزال مفاسد الكبائر تتناقص إلى أن تنتهي إلى مفسدة لو نقصت لوقعت في أعظم رتب مفاسد الصغائر وهي الرتبة الثانية . ثم لا تزال مفاسد الصغائر تتناقص إلى أن تنتهي إلى مفسدة لو فاتت لانتهت إلى أعلى رتب مفاسد المكروهات وهي الضرب الثاني من رتب المفاسد ، ولا تزال تتناقص مفاسد المكروهات إلى أن تنتهي إلى حد لو زال لوقعت في المباح .

وقد أبان صلى الله عليه وسلم من تفاوت الكبائر ثلاث مراتب ، إذ سئل عليه السلام أي الذنوب أكبر ؟ فقال : { أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، قيل ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قيل . ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك } جعل الكفر أكبر الكبائر مع قبحه في نفسه ، لجلبه لأقبح المفاسد ودرئه لأحسن المصالح ، فإنه يجلب مفاسد الكفر ويدرأ مصالح الإيمان . ومفاسده ضربان : [ ص: 57 ] أحدهما عاجل وهو إراقة الدماء وسلب الأموال وإرقاق الحرم والأطفال .

الضرب الثاني : آجل وهو خلود النيران مع سخط الديان . وأما درؤه لأحسن المصالح فإنه يدرأ في الدنيا عن المشركين التوحيد والإيمان وعن الإسلام والأمن من القتل والسبي واغتنام الأموال ، ويدرأ في الآخرة نعيم الجنان ورضا الرحمن . وجعل قتل الأولاد تاليا لاتخاذ الأنداد ، لما فيه من الإفساد وقطع الأرحام والخروج من حيز العدالة إلى حيز الفسوق والعصيان ، مع التعرض لعقاب الآخرة ، وتغريم الدية والكفارة ، والانعزال عن الولاية التي تشترط فيها العدالة وجعل الزنا بحليلة جاره تلو قتل الأولاد لما في ذلك من مفاسد الزنا كاختلاف المياه واشتباه الأنساب وحصول العار ، وأذية الجار ، والتعرض لحد الدنيا أو لعقاب الآخرة ، والانتقال من حيز العدالة إلى حيز الفسوق والعصيان والانعزال عن جميع الولايات .

التالي السابق


الخدمات العلمية