الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 213 ] 439 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثواب على الصبر على الجار السوء

2782 - حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : أنبأنا الجريري ، عن أبي العلاء ، عن ابن الأحمس أنه قال :

بلغني أن أبا ذر رضي الله عنه يقول : ثلاثة يحبهم الله عز وجل ، وثلاثة يشنؤهم الله عز وجل ، قال : فلقيته ، فقلت : يا أبا ذر ، ما حديث بلغني عنك تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببت أن أسمعه منك ؟ قال : ما هو ؟ قلت : ثلاثة يحبهم الله عز وجل ، وثلاثة يشنؤهم الله عز وجل ، قال أبو ذر : قلته وسمعته ، قال : قلت : من الذين يحبهم الله ؟ قال : رجل لقي فئة أو سرية فانكشف أصحابه فلقيهم بنفسه ونحره حتى قتل أو فتح الله عز وجل ، ورجل كان مع قوم فأطالوا السرى حتى أعجبهم أن يمسوا الأرض ، فنزلوا فتنحى فصلى حتى أيقظ أصحابه للرحيل ، ورجل كان له جار سوء فصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن ، قال : قلت : هؤلاء الذين يحبهم الله ، فمن [ ص: 214 ] الذين يشنؤهم ؟ قال : التاجر الحلاف ، أو البائع الحلاف - شك الجريري - ، والبخيل المنان ، والفقير المختال .

2783 - حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي ، قال : حدثنا الهيثم بن جميل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن الجريري ، ثم ذكر بإسناده مثله .

2784 - وحدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، قال : حدثنا الأسود بن شيبان ( ح ) .

وحدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا الأسود بن شيبان ( ح ) .

وحدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا الأسود بن شيبان ، ثم اجتمعوا جميعا ، فقالوا : عن يزيد أبي العلاء ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال :

بلغني عن أبي ذر حديث فكنت أحب أن ألقاه فأسأله عنه ، [ ص: 215 ] فلقيته ، فقلت له : يا أبا ذر ، بلغني عنك حديث فكنت أحب أن ألقاك فأسألك عنه ، قال : قد لقيت فاسأل ، قال : فقلت : بلغني أنك تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ثلاثة يحبهم الله عز وجل ، وثلاثة يبغضهم الله عز وجل ، قال : نعم ، فما إخالني أكذب على خليلي صلى الله عليه وسلم ، ثلاثا يقولها ، قلت : من الثلاثة الذين يحبهم الله عز وجل ؟ قال : رجل غزا في سبيل الله عز وجل مجاهدا محتسبا فقاتل حتى قتل ، وأنتم تجدونه في كتاب الله - عز وجل - : إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ، ورجل له جار يؤذيه فيصبر على أذاه ويحتسبه حتى يكفيه الله إياه بموت أو حياة ، ورجل يكون مع قوم فيسيرون حتى يشق عليهم الكرى والنعاس ، فينزلون من آخر الليل ، فيقوم إلى وضوئه وصلاته .

قلت : من الثلاثة الذين يبغضهم الله ؟ قال : الفخور المختال ، وأنتم تجدونه في كتاب الله - عز وجل - : إن الله لا يحب كل مختال فخور ، والبخيل المنان ، والبيع الحلاف
.

[ ص: 216 ] قال أبو جعفر : فتأملنا ما في هذا الحديث من الصبر على الجار السوء ، فوجدنا من حق الجار على الجار إكرامه إياه ، فإذا منعه من ذلك وخلطه بأذاه إياه وصبر على ذلك المؤذي واحتسبه كان في حكم من غلب على حق له ، فاحتسبه ، ومن كان كذلك أحبه الله - عز وجل - ؛ لأنه من أهل الطاعة والتمسك بما أمره الله به بقوله : الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية