الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شنأ

                                                          شنأ : الشناءة مثل الشناعة : البغض . شنئ الشيء وشنأه أيضا ; الأخيرة عن ثعلب يشنؤه فيهما شنأ وشنأ وشنأ وشنأة ومشنأ ومنشأة ومشنؤة وشنآنا وشنآنا بالتحريك والتسكين : أبغضه . وقرئ بهما قوله تعالى : ولا يجرمنكم شنآن قوم . فمن سكن فقد يكون مصدرا كليان ، ويكون صفة كسكران أي مبغض قوم . قال الجوهري : وهو شاذ في اللفظ ; لأنه لم يجئ شيء من المصادر عليه . ومن حرك فإنما هو شاذ في المعنى ; لأن فعلان إنما هو من بناء ما كان معناه الحركة والاضطراب كالضربان والخفقان . التهذيب : الشنآن مصدر على فعلان كالنزوان والضربان . وقرأ عاصم : شنآن بإسكان النون ، وهذا يكون اسما كأنه قال : ولا يجرمنكم بغيض قوم . قالأبو بكر : وقد أنكر هذا رجل من أهل البصرة يعرف بأبي حاتم السجستاني معه تعد شديد وإقدام على الطعن في السلف . قال : فحكيت ذلك لأحمد بن يحيى ، فقال : هذا من ضيق عطنه وقلة معرفته ، أما سمع قول ذي الرمة :


                                                          فأقسم لا أدري أجولان عبرة تجود بها العينين أحرى أم الصبر

                                                          قال : قلت له هذا ، وإن كان مصدرا ففيه الواو . فقال : قد قالت العرب وشكان ذا إهالة وحقنا ، فهذا مصدر ، وقد أسكنه ، والشنان بغير همز مثل الشنآن ; وأنشد للأحوص :


                                                          وما العيش إلا ما تلذ وتشتهي     وإن لام فيه ذو الشنان وفندا

                                                          سلمة عن الفراء : من قرأ شنآن قوم فمعناه بغض قوم . شنئته شنآنا وشنآنا . وقيل : قوله شنآن أي بغضاؤهم ، ومن قرأ شنآن قوم ، فهو الاسم : لا يحملنكم بغيض قوم . ورجل شنائية وشنآن والأنثى شنآنة وشنأى . الليث : رجل شناءة وشنائية بوزن فعالة وفعالية : مبغض سيئ الخلق . وشنئ الرجل ، فهو مشنوء ، إذا كان مبغضا ، وإن كان جميلا . ومشنأ على مفعل بالفتح : قبيح الوجه أو قبيح المنظر الواحد والمثنى ، والجمع والمذكر والمؤنث في ذلك سواء . والمشناء بالكسر ممدود على مثال مفعال : الذي يبغضه الناس . عن أبي عبيد قال : وليس بحسن ; لأن المشناء صيغة فاعل ، وقوله : الذي يبغضه الناس في قوة المفعول ، حتى كأنه قال : المشناء المبغض ، وصيغة المفعول لا يعبر بها عن صيغة الفاعل ، فأما روضة محلال فمعناه أنها تحل الناس أو تحل بهم أي تجعلهم يحلون ، وليست في معنى محلولة . قال ابن بري : ذكر أبو عبيد أن المشنأ مثل المشنع : القبيح المنظر ، وإن كان محببا والمشناء مثل [ ص: 141 ] المشناع : الذي يبغضه الناس . وقال علي بن حمزة : المشناء بالمد : الذي يبغض الناس . وفي حديث أم معبد : لا تشنؤه من طول . قال ابن الأثير : كذا جاء في رواية أي لا يبغض لفرط طوله ، ويروى لا يتشنى من طول أبدل من الهمزة ياء . وفي حديث علي كرم الله وجهه : ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني . وتشانئوا أي تباغضوا ، وفي التنزيل العزيز : إن شانئك هو الأبتر . قال الفراء : قال الله تعالى لنبيه : إن شانئك أي مبغضك وعدوك هو الأبتر . أبو عمرو : الشانئ : المبغض . والشنء والشنء : البغضة . وقال أبو عبيدة في قوله تعالى : ولا يجرمنكم شنآن قوم يقال الشنآن بتحريك النون والشنآن بإسكان النون : البغضة . قال أبو الهيثم : يقال : شنئت الرجل أي أبغضته . قال : ولغة رديئة شنأت بالفتح . وقولهم : لا أبا لشانئك ولا أب أي لمبغضك . قال ابن السكيت : هي كناية عن قولهم لا أبا لك . والشنوءة على فعولة : التقزز من الشيء ، وهو التباعد من الأدناس . ورجل فيه شنوءة وشنوءة أي تقزز ، فهو مرة صفة ومرة اسم . وأزد شنوءة قبيلة من اليمن : من ذلك النسب إليه : شنئي أجروا فعولة مجرى فعيلة لمشابهتها إياها من عدة أوجه منها : أن كل واحد من فعولة وفعيلة ثلاثي ثم إن ثالث كل واحد منهما حرف لين يجري مجرى صاحبه ; ومنها : أن في كل واحد من فعولة وفعيلة تاء التأنيث ; ومنها . اصطحاب فعول وفعيل على الموضع الواحد نحو أثوم وأثيم ورحوم ورحيم ، فلما استمرت حال فعولة وفعيلة هذا الاستمرار جرت واو شنوءة مجرى ياء حنيفة ، فكما قالوا حنفي قياسا قالوا شنئي قياسا . قال أبو الحسن الأخفش : فإن قلت إنما جاء هذا في حرف واحد يعني شنوءة قال

                                                          : فإنه جميع ما جاء . قال ابن جني : وما ألطف هذا القول من أبي الحسن ، قال : وتفسيره أن الذي جاء في فعولة هو هذا الحرف ، والقياس قابله ، قال : ولم يأت فيه شيء ينقضه . وقيل : سموا بذلك لشنآن كان بينهم . وربما قالوا : أزد شنوة بالتشديد غير مهموز ، وينسب إليها شنوي ، وقال :


                                                          نحن قريش ، وهم شنوه     بنا قريشا ختم النبوه

                                                          قال ابن السكيت : أزد شنوءة بالهمز على فعولة ممدودة ، ولا يقال شنوة . أبو عبيد : الرجل الشنوءة : الذي يتقزز من الشيء . قال : وأحسب أن أزد شنوءة سمي بهذا . قال الليث : وأزد شنوءة أصح الأزد أصلا وفرعا ; وأنشد :


                                                          فما أنتم بالأزد أزد شنوءة     ولا من بني كعب بن عمرو بن عامر

                                                          أبو عبيد : شنئت حقك : أقررت به وأخرجته من عندي . وشنئ له حقه وبه : أعطاه إياه . وقال ثعلب : شنأ إليه حقه : أعطاه إياه وتبرأ منه ، وهو أصح ; وأما قول العجاج :


                                                          زل بنو العوام عن آل الحكم     وشنئوا الملك لملك ذي قدم

                                                          فإنه يروى لملك ولملك ، فمن رواه لملك فوجهه شنئوا أي أبغضوا هذا الملك لذلك الملك ، ومن رواه لملك ، فالأجود شنئوا أي تبرءوا به إليه . ومعنى الرجز أي خرجوا من عندهم . وقدم : منزلة ورفعة . وقال الفرزدق :


                                                          ولو كان في دين سوى ذا شنئتم     لنا حقنا أو غص بالماء شاربه

                                                          وشنئ به أي أقر به . وفي حديث عائشة : عليكم بالمشنيئة النافعة التلبينة ، تعني الحساء ، وهي مفعولة من شنئت أي أبغضت . قال الرياشي : سألت الأصمعي عن المشنيئة ، فقال : البغيضة . قال ابن الأثير في قوله : مفعولة من شنئت إذا أبغضت في الحديث . قال : وهذا البناء شاذ . فإن أصله مشنوء بالواو ، ولا يقال في مقروء وموطوء مقري وموطي ووجهه أنه لما خفف الهمزة صارت ياء ، فقال مشني كمرضي ، فلما أعاد الهمزة استصحب الحال المخففة . وقولها : التلبينة : هي تفسير المشنيئة ، وجعلتها بغيضة لكراهتها . وفي حديث كعب رضي الله عنه : يوشك أن يرفع عنكم الطاعون ويفيض فيكم شنآن الشتاء . قيل : ما شنآن الشتاء ؟ قال : برده ; استعار الشنآن للبرد ; لأنه يفيض في الشتاء . وقيل : أراد بالبرد سهولة الأمر والراحة ; لأن العرب تكني بالبرد عن الراحة ، والمعنى : يرفع عنكم الطاعون والشدة ويكثر فيكم التباغض والراحة والدعة . وشوانيء المال : ما لا يضن به . عن ابن الأعرابي من تذكرة أبي علي ، قال : وأرى ذلك ; لأنها شنئت فجيد بها فأخرجه مخرج النسب ، فجاء به على فاعل . والشنآن : من شعرائهم ، وهو الشنآن بن مالك ، وهو رجل من بني معاوية من حزن بن عبادة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية