الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المدرك التاسع : تعارض المقصود من الشيء عرفا ، أو لغة ، وفي ( الكتاب ) : الحالف : [ ص: 45 ] لا يأكل من هذه الحنطة ، أو هذه الحنطة حنث بالخبز ، والسويق ; لأنها كذلك تؤكل ، وإن حلف لا يأكل من هذا الطلع حنث ببسره ورطبه ، وتمره إلا أن ينوي الطلع نفسه ، أو من هذا اللبن حنث بزبده إلا أن تكون له نية ، وقال ( ح ) : لا يحنث في الجميع ; لانتقال الأسماء .

                                                                                                                لنا : أن صيغة ( من ) للتبعيض لغة ، والزبد بعض اللبن ، والتمر فيه أجزاء الطلع ، ولذلك أجمعنا على الحالف : لا يأكل من هذا الرغيف أنه يحنث بلبابه منه ، والحالف : لا يأكل بسر هذه النخلة ، أو من بسرها لا يحنث بالبلح ; لأنه لا يكون بلحا ، أو من هذه الحنطة ، أو من هذا الطعام يحنث بما اشترى بثمنها من طعام ; لأنه يصدق عليه أنه منها إلا أن يكون الشيء فيهما من الرداءة .

                                                                                                                والحالف : لا يشرب هذا السويق ، فأكله يحنث إلا أن ينوي الشرب ، والحالف : لا يأكل سمنا ، فيأكل سويقا لت بسمن يحنث وجد طعمه أو ريحه أم لا ; لأنه لو أريد استخراجه بالماء الحار لخرج ، والحالف : لا يأكل خلا ، فأكل مرقا طبخ بخل ; لأنه لا يمكن استخراجه إلا أن ينوي ما طبخ به ، وقاله ( ش ) فيهما . قال صاحب ( تهذيب الطالب ) : الحالف : لا يأكل عسلا يحنث بعسل القصب ، وبالعسل مطبوخا ، وبالفالوذج ، وبالخبيص ، وطعام فيه عسل ، ويحتمل على قول أشهب أن لا يحنث بعسل القصب ; لأنه ليس العادة ، واعلم أن هذه المسألة تشكل على مسألة الخل في ( الكتاب ) قال : ولم يفرق ابن القاسم بين وجود طعم السمن ، وعدمه ، وفرق ابن ميسر قال : ولو أن الدقيق ، والخبز لت بخل حنث عندي ; لأن اللت غير مستهلك ، ووافق أشهب ابن القاسم في الخل ، واختلفا في السمن ، وحنثه سحنون في الخل ، وفي ( الكتاب ) : الحالف : لا يأكل لحما يحنث بالشحم خلافا لـ ( ش ) ، ولو عكس لا يحنث باللحم ; لأن الله تعالى حرم لحم الخنزير ، فحرم شحمه . وحرم على بني إسرائيل الشحم ، ولم يحرم اللحم ، ويحنث [ ص: 46 ] بلحم الحوت . أو لا يأكل رءوسا ، أو بيضا حنث برءوس السمك ، وبيضها خلافا لـ ( ش ) ; لأن لفظ الرءوس والبيض لم يختص في العرف ببعض أنواعها ، بل من قال : رأيت رأسا يقال له : رأس أي شيء ؟ ويحسن جوابه بما ذكرناه ، وإنما اختص الأكل ببعضها ، وقد تقدم أن العرف الفعلي لا عبرة به ، وإنما المعتبر : القولي . قال ابن يونس : قال محمد : لا يحنث في ثمن الحنطة ، ولا فيما أشبهه ، واستحسن أشهب في الطلع عدم الحنث بالبسر ، أو الرطب لبعد ما بينها في الطعم والاسم والمنفعة كالخل مع العنب ، ولم ير ابن القاسم الحنث بما يخرج من المحلوف عليه إلا في خمسة أشياء : في الشحم من اللحم ، والنبيذ من التمر ، والزبيب والعصير من العنب ، والمرق من اللحم ، والخبز من القمح ، وقد جمعها الشاعر بقوله :


                                                                                                                أمراق لحم وخبز قمح نبيذ تمر مع الزبيب     وشحم لحم وعصر كرم
                                                                                                                يكون حنثا على المصيب

                                                                                                                والاقتصار على هذه الخمسة يعسر تقريره من جهة النظر ، وقيل : لا يحنث بالخبز من القمح لبعده إلا أن يقول : من هذا القمح ، أو من هذا الدقيق ، واستحسنه محمد ، ولا يحنث ابن القاسم الحالف لا يأكل لبنا ، أو اللبن بالزبد ، التاس أو السمن ، ولا يأكل رطبا بالتمر ، أو لا يأكل عسلا بالرب إلا أن يأتي بصيغة ( من ) وعمم ابن وهب الحنث في ذلك قياسا ، وفرق ابن حبيب بين أن يشار إليه بـ ( هذا ) فيحنث ، أو ينكر ، فلا يحنث ; لأن الإشارة تتناول الخصوص بجميع أجزائه ، والمتولد بعد ذلك فيه من هذه الأجزاء . قال سحنون : الحالف : لا يأكل زعفرانا يحنث بالطعام المزعفر ; لأنه لا يؤكل إلا كذلك . قال ابن القاسم : الحالف على اللحم يحنث بالكرش والرأس والمعاء والدماغ وغيرها خلافا لـ ( ش ) وابن حنبل ، فهما يلاحظان العرف ، وهو يلاحظ اللغة ، والحالف بأحدهما لا يحنث بالشحم ; لأنها لا تكون شحما ، والحالف على اللحم يحنث بالقديد دون [ ص: 47 ] العكس ، وقال أشهب : الحالف على اللحم ، والرءوس لا يحنث إلا بلحم الأنعام ورءوسها كقول ( ش ) لأنها المقصودة بالأثمان عادة ، فهو عرف قولي في خصوص ألفاظ الأيمان ، والعرف قد يكون في المركبات كما يكون في الألفاظ المفردات كما تقدم ، ووافق ابن القاسم في البيض ، والفرق : بعد ما بين الأنعام ، والطير وغيره ، وتقارب بيض الدجاج والطير ، وقال ابن حبيب : بيض الطير دون الحوت . قال أبو محمد : والحالف : لا يأكل إداما يحنث بالإدام عرفا ، وقاله ابن حنبل ، وليس الملح منه . قال صاحب ( البيان ) : وحنثه أشهب بالملح ; لأنه عادة الضعفاء ( بمصر ) والمعول في ذلك على العادة كالتمر والزيتون ونحوه ، ووافقنا ( ش ) ، وخصصه ( ح ) بما يصنع فيه دون اللحم والشواء ; لقوله - عليه السلام - : ( نعم الإدام الخل ) و ( ائتدموا بالزيت ، فإنه من شجرة مباركة ) والجواب عنه أنه مفهوم لقب لا حجة فيه ، سلمناه ، ولكنه معارض بقوله ، عليه السلام ( اللحم سيد إدام الدنيا والآخرة ) ولأن الإدام معناه الائتلاف ; لأنه يؤلف الخبز مع النفس ، ومنه سمي آدم - عليه السلام - لأنه ألف من أجزاء الأرض ، وقوله - عليه السلام - : ( هلا نظرت إليها ، فإنه أولى أن يؤدم بينكما ) أي تأتلفان .

                                                                                                                [ ص: 48 ] فرع : وقال : والحالف : لا يأكل خبزا وإداما لا يحنث بأحدهما عند أشهب ; لأن العادة الجمع ، خلاف ما في ( المدونة ) قال ابن يونس : قال محمد : الحالف : لا يأكل فاكهة يحنث برطبها ، ويابسها من التمر والعنب والرمان والقثاء والبطيخ والقصب والفول والحمص ، والجلبان . قال ابن حبيب : والحالف على الخبز يحنث بالكعك دون العكس ; لأن الكعك خبز وزيادة . ومن كتاب محمد : والحالف : لا يأكل غنما يحنث بالضأن والمعز ، والحالف على أحدهما لا يحنث بالآخر ( والحالف على الدجاج يحنث بالديك ، وعلى أحدهما لا يحنث بالآخر ) والحالف : لا يأكل كباشا يحنث بكبار النعاج وصغارها لدخولها في الاسم ، ولو قال : كبشا ، ولم يقل كباشا لم يحنث بصغار الذكور ، ولا الإناث . قال ابن يونس : وكذلك الكباش لا يحنث بها عندنا في الصغار ، ولا الإناث الكبار ; لأنه العرف ، ولاحظ محمد اللغة ، قال محمد : والحالف : لا يأكل نعجة ، أو نعاجا لا يحنث بصغار الذكور ، والإناث ، وكبار الذكور ، والحالف : لا يأكل خروفا لا يحنث بالكبش ، والحالف : لا يأكل تيسا ، أو تيوسا يحنث بالعتود دون العكس .

                                                                                                                قال صاحب ( التلخيص ) : الحالف : لا يأكل من مال فلان ، أو من طعامه ، أو لا ينتفع بشيء من ماله ، فانتفع بعد موته قبل جمع ماله ، ودفنه ، فثلاثة أقوال : لا يحنث إلا أن يكون عليه دين ، أو وصايا ، ولا يحنث إلا أن يكون عليه دين دون الوصايا ; لأن الدين يقضي على ملكه ، والوصايا لأربابها ، ولا يحنث وإن أحاط الدين بماله ; لانقطاع ملكه بموته ، والحالف : لا ينفعه ما عاش ، أو لا يدخل عليه ما عاش ، فدخل عليه ميتا ، أو كفنه ، فقولان في ( الكتاب ) .

                                                                                                                والحالف : لا يكلمه ، فيؤم قوما فيهم ، فسلم من الصلاة عليهم ، أو صلى خلفه عالما به ، فرد عليه سلامه من الصلاة لم يحنث ; لأنه ليس كلاما عادة ، ولو سلم على جماعة هو فيهم حنث علم به أم لا إلا أن يحاشيه ، ولو سلم عليه ، وهو لا يعرفه ليلا حنث ; لأن الجهل ليس عذرا في الحنث ، ولو كتب إليه ، أو أرسل إليه حنث خلافا لـ ( ش ) ، وابن حنبل إلا [ ص: 49 ] أن ينوي المشافهة ; لأن المقصود من الكلام إنما ما هو يدل على المقاصد ، والحروف الكتابية في ذلك كالنطقية ، ثم رجع فقال : لا ينوي في الكتاب ، ويحنث إلا أن يرجع الكتاب قبل وصوله إليه . قال ابن يونس : قال محمد : إن سلم اثنتين ، فأسمعه الثانية حنث . قال ابن ميسر : لا يحنث ، وإن أرتج على الحالف فلقنه المحلوف عليه لم يحنث بخلاف العكس ، وأما إذا أم الحالف فرد عليه المحلوف . قال ابن القاسم وأشهب : إن سمع رده حنث . قال ابن القاسم : ولو مر بالمحلوف نائما ، فقال له : الصلاة يا نائم ، فرفع رأسه فعرفه حنث ، وكذلك إن لم يسمعه لشدة النوم كالأصم ، وكذلك لو كلمه وهو مشغول بكلام رجل ولم يسمعه ; لأنه يصدق أنه كلمه ، وقال أصبغ : إن تيقن نومه ، ولم ينتبه لكلامه لا يحنث كالميت والبعيد ، ولو كلم غيره يظنه إياه قاصدا للحنث لم يحنث ; لأن القصد إنما يؤثر في الحنث إذا كان على حنث ، وهو هاهنا على بر ، ولو كلمه يظنه غيره حنث ; لأن الجهل ليس عذرا . قال مالك : ولو حلف لا يكلمه إلا ناسيا قبل قوله في النسيان ، ولو قامت البينة ; لأن ذلك لا يعلم إلا من جهته . قال ابن القاسم : والحالف : لا يكلمه إلا بالإشارة إليه ; لأن الإشارة في الصلاة ليست كلاما بخلاف الكتابة ; لأنها حروف كالكلام ، وحروفها دالة على حروف القول ، فيتنزل أحدهما منزلة الآخر ، وقال غيره يحنث لقوله تعالى : (ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ) ( آل عمران : 41 ) الأصل في الاستثناء الاتصال ، وقال مالك في الرسول : لا شيء عليه ، وقال أشهب : لا يحنث فيه ولا في الكتابة إلا أن يسمعه الكلام الذي أرسل به الرسول ; لأنه لو حلف ليكلمنه لم يبر بالكتابة . قال أشهب : ولو رجع الكتاب بعد قراءته بقلبه دون لسانه لم يحنث ; لأن الحالف لا يقرأ جهرا لا يحنث بقراءة قلبه ، ولو كتب المحلوف إلى الحالف فقرأ كتابه لم يحنث عند أشهب ، واختلف قول ابن القاسم فيه ، ومن كتاب ابن حبيب : لو أمر الحالف من يكتب فكتب ، ولم يقرأه على الحالف ولا قرأه الحالف لم يحنث ، ولو قرأه الحالف أو قرئ عليه حنث إذا قرأه [ ص: 50 ] المحلوف عليه ، أو عنوانه ، وإلا فلا . قال الله تعالى : ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا ) ( الشورى : 51 ) جعل ذلك كلاما ، وفي ( الجواهر ) : في قبول النية في الكتاب والرسول أقوال : ثالثها : تقبل في الرسول دون الكتاب ، وإن لم يقرأ المحلوف الكتاب ، ففي الحنث قولان .

                                                                                                                فرع : قال : لو انتقل المحلوف عليه إلى ما ليس معدا له ، كالحالف : لا يأكل طعاما ، فيفسد ( بأكله ) ، فقيل : يحنث ; لأنه أكله ، وقيل : لا يحنث ; لأنه لم يأكل الطعام المعتاد ، وإنما انتقل إلى ما هو معد له ، فإن نطق بـ ( من ) نحو : لا أكلت من هذا ، فإن قرب تغيره ، فالمذهب كله على الحنث ، وإن بعد كانتقال الطلع إلى البسر والرطب ، فالمشهور الحنث ، ولا يحنث بالمتولد الذي ليس جزءا كالحلف على الشاة ، فيأكل من لبنها إلا أن يريد ترك الانتفاع مطلقا ، وفي تحنيثه بولدها خلاف ، فإن لم يذكر لفظة ( من ) ونكر ، فالمذهب عدم الحنث ، وإلا حنث ، وإن قرب التغير جدا ، والغالب أنه لا يستعمل إلا كذلك ، فلم يره ابن القاسم إلا في الخمسة المتقدمة ، والحالف : لا يدخل عليه بيتا ، فدخل المحلوف عليه على الحالف بيتا ، أشار في ( الكتاب ) إلى عدم الحنث ، وقيل : يحنث ، ولا يحنث بدخوله عليه المسجد اتفاقا ; لبعد لفظ البيت عن المسجد إلا بإضافته إلى الله تعالى ، وأحنثوه بالحمام ، والفرق : أن الحمام لا يلزم دخوله بخلاف المسجد ، وخالف اللخمي في الحمام ، والحالف لينتقلن من دار . قال صاحب ( البيان ) : لا يعود عند ابن القاسم إلا بعد شهر ، ولم ير عليه حنثا إن رجع بعد خمسة عشر يوما . قال صاحب ( البيان ) : لا يعود عند ابن القاسم إلا بعد شهر ; لأن الشهر معتبر في تقديم الزكاة وانتزاع مال المعتق إلى أجل قبل أجله بشهر ، ( والحالف : ليطيلن الهجران بر بشهر ) ولم ير عليه حنثا إن رجع بعد خمسة عشر يوما . قال ابن يونس : قال عبد الملك : لا أحب له الانتقال بنية مؤقتة . قال عبد الملك : والحالف : ليخرجن فلانا من داره له رده بعد [ ص: 51 ] شهر ، وإن من عليه بالدار ، فحلف : لينتقلن ، فتأخر ثلاثة أيام في الطلب ، ولم يجد قال محمد : لا شيء عليه . والحالف : ليخرجن من المدينة ، ولم ينو إلى بلد معين خرج إلى ما تقصر فيه الصلاة ، فيقيم فيه شهرا . قاله مالك . وقيل : إلى موضع لا يجب فيه إتيان الجمعة ، فيقيم فيه ما قل أو كثر ، ويرجع ، وفي ( الكتاب ) : الحالف : لا يسكن هذه الدار ، أو دار فلان هذه ، فباعها ، فسكنها في غير ملكه حنث لأجل الإشارة إلا أن ينوي ما دامت في ملكه ، ولو قال : دار فلان ، لم يحنث لزوال الإضافة . قال ابن يونس : قال ابن القاسم : الحالف لا يسكن دار فلان حنث بدار له فيها شرك لصدق الإضافة ، وهو يصدق بأدنى سبب كقول أحد حاملي الخشبة : شل طرفك . قال أشهب : الحالف : لا يدخل منزل فلان ، فدخل الدار دون البيت إن كانت الدار لا تدخل إلا بإذن ، ومن سرق منها قطع - حنث ، وقال غيره : لا يحنث . قال ابن حبيب : إذا حلف أن لا يدخل دار فلان حنث بحانوته وقريته وخبائه ، وكل موضع له فيه أهل ، أو متاع ، وإن لم يملكه ; لأن الدار من الدائرة تعمل حول البيت خشية السيل ، فسميت الدار دارا لذلك ، وخالف أصبغ في الحانوت والخباء . وفي ( الكتاب ) : الحالف : لا يلبس ثوبا غزلته فلانة حنث بما غزلته مع غيرها ، أو حلف لا يسكن بيتا ، فسكن بيت شعر ، وهو بدوي أو حضري ، حنث لصدق الاسم عليه أو لا يكسوها هذين الثوبين ونيته : مجتمعين ، فكساها أحدهما حنث ; لأنه جزء المحلوف عليه ، أو لا يدخل هذه الدار ، فصارت طريقا ، ودخلها لم يحنث ، فإن بنيت ودخلها حنث ; لأنه يقال : هذه دار فلان عمرت ، فالمشار إليه عاد ، أو لا يدخل من باب هذه الدار ، أو من هذا الباب فغير أو نقل ، حنث بالدخول إلا أن يكون الباب دون الدار . قال ابن يونس : إذا بنيت الدار بعد هدمها مسجدا لم يحنث ، وقال مالك : الحالف : لا خرجت امرأته من الدار ، فهدمها سيل ، أو أخرجها مالك الدار ، فلا شيء عليه إلا في الدار الثانية ، أو يرجع إلى الأولى . قال سحنون : وكذلك لو أخرجها السلطان ليحلفها [ ص: 52 ] في حق لم يحنث ، ولو انتقل الزوج باختياره ، فاليمين باقية حيث انتقل ، فإن المقصود صونها ، وقال مالك أيضا : الحالف : لا تخرج من باب بيتها حتى يقدم ، فنزلت بموضعها فتنة فخافت فخرجت من دبر بيتها - يحنث . وفي ( الكتاب ) : الحالف : لا يأكل طعاما ، أو شرابا ، فذاقه ، ولم يصل إلى جوفه لم يحنث ; لأن المقصود التغذي ، ولم يحصل ، والحالف : لا يساكنه في دار ، فسكنا في مقصورتين في دار ، أو كانا قبل الحلف كذلك حنث ، وإن كانا في منزل فلا ، والحالف : لا يساكنه في دار ، فقسمت ، واستقل كل واحد بنصفها كرهه مالك دون ابن القاسم . قال ابن يونس : ولو كانا من أهل العمود ، فحلف لا يجاوره ، أو لينتقلن عنه ، فانتقل إلى قرية ، والمضرب واحد حنث إلا أن ينتقل بيته . قال أبو محمد : لا بد من انقطاع خلطة الصبيان ، والعيال ، وتكون رحلته كرحلة أهل العمود . قال مالك : حيث لا تلتقي أغنامهم في الرعي . قال التونسي : لا يحنث بالزيارة ، ولو أقام أياما ، أو مرضه . قال مالك : ( والزيارة تختلف كما في الحضري والقروي ، وقال أشهب : ليست الزيارة مساكنة ، وإن طالت إذا لم ) يكن القصد السكنى ، وقال أيضا : إذا أكثر المبيت والمنام في غير الحضر حنث ، ومن كتاب ابن المواز : الحالف : لا يجاوره في أمهات القرى يحنث بالطريق التي تجمعهما في الدخول ، والخروج ، والمجتمع ، ولا يحنث . قال أبو الطاهر : ولو رفع مالا فنسيه فحلف لزوجته : لقد أخذته ، ثم وجده حيث دفنه لا يحنث ; لأن المقصود إن كان تلف فأنت أخذته ، والحالف : ليس معي أوزن من هذا الدرهم ، فوجد معه وزنه لا يحنث .

                                                                                                                فرع : قال صاحب ( البيان ) : إذا حلف لا يتسرى على امرأته ، فمذهب [ ص: 53 ] مالك وأكثر أصحابه أن التسري الوطء ، وقيل : الإيلاد ، وقيل : الاتخاذ للوطء . فعلى القول بأنه الوطء لا تجوز له إلا المباشرة من التقبيل ونحوه ، وقيل : يجوز له الوطء ولا ينزل ، وقيل : وطأة كاملة ولا يحنث إلا بتمامها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية