الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القسم الثاني .

من هذا الباب النظر : في حقوق الزوج عليها .

والقول الشافي فيه : أن النكاح نوع رق فهي ، رقيقة له فعليها طاعة الزوج مطلقا ، في كل ما طلب منها في نفسها ، مما لا معصية فيه وقد ورد في تعظيم حق الزوج عليها أخبار كثيرة قال صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض ، دخلت الجنة .

وكان رجل قد خرج إلى سفر ، وعهد إلى امرأته أن لا تنزل من العلو إلى السفل وكان أبوها في الأسفل ، فمرض ، فأرسلت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذن في النزول إلى أبيها فقال صلى الله عليه وسلم : أطيعي زوجك فمات فاستأمرته فقال : أطيعي زوجك ، فدفن أبوها فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها يخبرها أن الله قد غفر لأبيها ، بطاعتها لزوجها .

وقال صلى الله عليه وسلم : إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها .

وأضاف طاعة الزوج إلى مباني الإسلام وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ، فقال: حاملات ، والدات ، مرضعات ، رحيمات بأولادهن لولا ما يأتين إلى أزواجهن دخل مصلياتهن الجنة .

وقال صلى الله عليه وسلم : اطلعت في النار فإذا أكثر أهلها النساء فقلن : لم يا رسول الله قال ؟ : يكثرن اللعن ، ويكفرن العشير يعني الزوج المعاشر .

وفي خبر آخر اطلعت في الجنة فإذا أقل أهلها النساء ، فقلت أين النساء قال ؟ شغلهن الأحمران : الذهب ، والزعفران .

يعني : الحلي ومصبغات الثياب وقالت عائشة رضي الله عنها : أتت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إني فتاة أخطب فأكره التزويج ، فما حق الزوج على المرأة قال ؟ : لو كان من فرقه إلى قدمه صديد فلحسته ما أدت شكره قالت أفلا : أتزوج ، قال : بلى تزوجي فإنه خير .

قال ابن عباس أتت امرأة من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إني امرأة أيم وأريد أن أتزوج ، فما حق الزوج؟ قال: إن من ؟ : حق الزوج على الزوجة إذا أرادها فراودها عن نفسها وهي على ظهر بعير لا تمنعه ومن حقه أن لا تعطي شيئا من بيته إلا بإذنه فإن فعلت ذلك كان الوزر عليها والأجر له ومن حقه أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه فإن ، فعلت جاعت ، وعطشت ، ولم يتقبل منها

التالي السابق


(القسم الثاني من هذا الباب:

في) ذكر (حقوق الزوج على الزوجة) : فقد قال تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، أي: من الحقوق (والقول الشافي فيه: أن النكاح نوع رق، وهي رقيقة له) وقد جاء في الخبر: بأنهن عوان في أيديكم، أي: أسراء، وتقدم ذلك، وهو على التشبيه (فعليها طاعة الزوج مطلقا، في كل حال) وفي كل وقت، وفي كل مكان (ما طلب منها في نفسها، مما لا معصية فيه) ومما تستطيعه (وقد ورد في تعظيم حق الزوج عليها أخبار كثيرة) وآثار شهيرة، منها: (قال -صلى الله عليه وسلم-: أيما امرأة) ذات زوج (ماتت وزوجها عنها راض، دخلت الجنة) أي: مع الفائزين، السابقين، وإلا فكل من مات على الإسلام، لا بد من دخوله الجنة، [ ص: 401 ] ولو بعد دخوله النار .

قال العراقي: رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، وابن حبان، من حديث أم سلمة، اهـ. قلت: روياه في النكاح، ورواه الحاكم كذلك، في البر والصلة، وقال: صحيح، وأقره الذهبي، وابن الجوزي، هو من رواية مساور الحميري، عن أمه، عن أم سلمة، وهما مجهولان .

(وكان رجل خرج في سفر، وعهد إلى امرأته أن لا تنزل من العلو إلى السفل) أي: سفل الدار (وكان أبوها في السفل، فمرض، فأرسلت المرأة تستأذن في النزول إلى أبيها) أي: لتمرضه، وتخدمه (فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أطيعي زوجك) أي: لا تنزلي له (فمات) أبوها (فاستأمرته) في أن تحضر تجهيزه، ودفنه (فقال: أطيعي زوجك، فدفن أبوها) ولم تحضره (فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخبرها أن الله تعالى قد غفر لأبيها، بطاعتها لزوجها) . هكذا ساقه صاحب القوت .

قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط، من حديث أنس، بسند ضعيف، إلا أنه قال: غفر لأبيها.

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: إذا صلت المرأة خمسها) أي: الفروض الخمس (وصامت شهرها) رمضان، غير أيام الحيض، أو النفاس، إن كان (وحفظت) وفي رواية: أحصنت (فرجها) من الجماع، والسحاق المحرمين (وأطاعت زوجها) في غير معصية (دخلت جنة ربها) إن تجنبت مع ذلك بقية الكبائر، أو تابت توبة صحيحة، أو عفى عنها، والمراد: مع السابقين الأولين .

قال العراقي: رواه ابن حبان، من حديث أبي هريرة، اهـ. قلت: ورواه البزار، عن أنس، إلا أنه قال: دخلت الجنة. قال البيهقي: فيه راود بن الجراح، وثقه أحمد، وجمع، وضعفه آخرون، وقال ابن معين: وهم في هذا الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الكبير، عن عبد الرحمن بن حسنة، وهو ابن شرحبيل، وحسنة: أمه. لكنه قال: وأطاعت بعلها. وفيه: فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت. قال الهيثمي: وفي سنده ابن لهيعة، وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه أحمد، عن عبد الرحمن بن عون، لكنه قال: قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت. قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة، وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال المنذري: رواته أحد رواة الصحيح، خلاف ابن لهيعة، وحديث حسن في المتابعات، وقد أورد الحديث باللفظ المذكور صاحب القوت، وزاد. (فأضاف طاعة الزوج إلى مباني الإسلام) التي لا يدخل أحد الجنة إلا بها، واشترط طاعته لدخولها، ثم قال: (وذكر -صلى الله عليه وسلم- النساء، فقال) أي: في حقهن، لما ذكرن عنده: (حاملات، والدات، مرضعات، رحيمات بأولادهن) أي: فيهن خيرات مباركات (لولا ما يأتين بأزواجهن) أي: من كفران العشيرة، ونحوه (دخل مصلياتهن الجنة) يفهم منه: أن غير مصلياتهن لا يدخلنها، وهو وارد على نهج الزجر، والتهويل، وإلا فكل من مات على الإسلام يدخل الجنة ولا بد .

قال العراقي: رواه ابن ماجه، والحاكم، وصححه من حديث أبي أمامة، دون قوله: مرضعات. وهي عند الطبراني في الصغير، اهـ. قلت: ورواه بتمامه الطيالسي، وأحمد، وابن منيع، والطبراني في الكبير، والضياء في المختارة .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: اطلعت) بهمزة وصل، وتشديد الطاء، أي: تأملت ليلة الإسراء، أو في النوم، أو بالوحي، أو بالكشف بعين الرأس، أو بعين القلب، لا في صلاة الكسوف، كما قيل (فى النار) أي: عليها، والمراد: نار جهنم (فرأيت) كذا في النسخ، وفي بعضها: فإذا (أكثر أهلها النساء، فقلت: لم يا رسول الله؟ فقال: يكثرن اللعن، ويكفرن العشير) أورده صاحب القوت، وقال: (يعني الزوج المعاشر) لهن، يكفرن نعمته عليهن .

قال العراقي: متفق عليه، من حديث ابن عباس، اهـ. قلت: ورواه أنس بلفظ: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء. رواه أحمد، ومسلم في الدعوات، والترمذي في صفة جهنم، عنه، ورواه البخاري، في صفة الجنة، والترمذي، والنسائي في عشرة النساء، والرقائق، عن عمران بن حصين، ورواه أحمد أيضا، عن ابن عمر، ولكنه قال: الأغنياء. بدل، النساء. قال المنذري: وسنده جيد (وفي خبر آخر) : قال -صلى الله عليه وسلم-: (اطلعت في الجنة) أي: عليها (فإذا أقل أهلها النساء، فقلت) : أي: لمن معه من الملائكة، جبريل، عليه السلام، أو غيره (أين النساء؟ فقيل) وفي نسخة، قال: (شغلهن الأحمران: الذهب، والزعفران) أورده صاحب القوت، وقال: (يعني: الحلي) جمع حلية، بالكسر، والضم، وهي ما تتحلى به المرأة [ ص: 402 ] أي: تتزين (ومصبغات الثياب) أي: لبس الثياب المصبوغة بالزعفران، أي: كثرة ميلهن إلى التزينات في ملابسهن، اشتغلن عن أعمال الآخرة، والاحمرار فيه التغليب .

قال العراقي: رواه أحمد، من حديث أبي أمامة، بسند ضعيف، وقال: الحرير. بدل، الزعفران. ولمسلم من حديث عمران ابن حصين: أقل ساكني الجنة النساء. ولأبي نعيم في الصحابة، من حديث عزة الأشجعية: ويل للنساء من الأحمرين: الذهب والمعصفر، وفيه عباد بن عباد، متروك، قاله الذهبي (وقالت عائشة، رضى الله عنها: أتت فتاة) أي: امرأة شابة (إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا نبي الله، إني فتاة أخطب) أي: يرغبون إلي بالتزويج (وإني أكره التزويج، فما حق الزوج على المرأة؟ فقال: لو كان من قرنه إلى قدمه صديد فلحسته) أي: بلسانها، غير متقذرة لذلك (ما أدت شكره) أي: ما وفت بالشكر، في مقابلة نعمه (قالت: فلا أتزوج إذا، قال: بلى تزوجي فإنه خير) . نقله صاحب القوت، فقال: رويناه عن أم عبد المغنية، عن عائشة، قالت:... إلخ .

وقال العراقي: رواه الحاكم، وصحح إسناده، من حديث أبي هريرة، دون قوله: بل فتزوجي، فإنه خير. ولم أره من حديث عائشة، اهـ. قلت: وروى الحاكم في النكاح، من حديث ربيعة بن عثمان، عن أبي سعيد الخدري، قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بابنته، فقال: هذه بنتي أبت أن تزوج، فقال: أطيعي أباك، فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته؟ فقال: أن لو كانت به قرحة فلحستها ما أدت حقه. قال الحاكم: رواه الذهبي، فقال: بل منكر، قال أبو حاتم: ربيعة منكر الحديث، فالصحة من أين؟! اهـ .

وقد رواه البزار بأتم من هذا، وفيه: لو كانت به قرحة فلحستها، أو انتثر منخراه صديدا، أو دما، ثم ابتلعته، ما أدت حقه، قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبدا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تنكحوهن إلا بإذنهن. قال المنذري: رواته ثقات، وقد رواه أيضا ابن حبان في صحيحه، وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه العراقي، فقد رواه الحاكم، والبيهقي، بلفظ: من حق الزوج على الزوجة: لو سال منخراه دما، وقيحا، وصديدا، فلحسته بلسانها، ما أدت حقه. الحديث، وروى نحوه أبو داود، والحاكم، من حديث قيس بن سعد، وأحمد من حديث أنس، كما سيأتي ذكره قريبا، ثم قال صاحب القوت، بعد قوله، فإنه خير: فهذا محمل خبر الخثعمية، الذي فسر فيما رويناه، عن عكرمة، قال: (قال ابن عباس) رضى الله عنهما: (أتت امرأة من خثعم) وهي قبيلة مشهورة، وهو خثعم بن أنمار (إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: إني امرأة أيم) وهي: التي لا زوج لها (و) إني (أريد أن أتزوج، فما حق الرجل على المرأة؟ فقال: من حق الزوج على الزوجة إذا رادها على نفسها) أي: أراد جماعها (وهي على ظهر بعير) ذكره تتميما ومبالغة (أن لا تمنعه) من نفسها لما أراد منها، فإنها إن منعته حاجته، فقد عرضته للهلاك الأخروي، فربما صرفها في محرم، فعليها حيث لا عذر أن تمكنه .

(وفي حقه) عليها: (أن لا تعطي) فقيرا، ولا غيره (شيئا من بيته) من طعام، ولا غيره (إلا بإذنه) الصريح، أي: علم رضاه بذلك، وبمقدار المعطى (فإن فعلت ذلك) بأن أعطته منه تعديا (كان الوزر عليها) أي: العقاب; لما افتاتت عليه من حقه (والأجر له) أي: الثواب عند الله، على ما أعطته من ماله .

(ومن حقه) عليها: (أن لا تصوم) يوما وحدا (تطوعا) أي: نافلة (إلا بإذنه، إن كان حاضرا، وأمكن) استئذانه، وخرج بقوله: تطوعا، صوم الفريضة، فإنها لا تحتاج فيه إلى إذنه، وكذا إذا كانت بحال لا يمكنه الاستمتاع بها، فإن لها الصوم بغير إذنه، ولو تطوعا; إذ لا يفوت حقا (فإن فعلت ذلك) بأن صامت بغير إذنه، وهو شاهد (جاعت، وعطشت، ولم يقبل منها) أي: أثمت في صومها، ولم يتقبل منها، فلا تثاب عليه، وهل يقع صومها صحيحا، أم لا؟ والظاهر: الأول; لاختلاف الجهة .




الخدمات العلمية