الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4761 (38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

                                                                                              [ 2557 ] عن أبي موسى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: " اشفعوا تؤجروا، وليقض الله على لسان نبيه ما أحب".

                                                                                              رواه أحمد ( 4 \ 413 )، والبخاري (1432)، ومسلم (2627)، وأبو داود (5131)، والترمذي (2674)، والنسائي ( 5 \ 78 ).

                                                                                              [ ص: 632 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 632 ] (38) ومن باب : اشفعوا إلي تؤجروا

                                                                                              (قوله : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال : " اشفعوا تؤجروا ") كذا وقع هذا اللفظ " تؤجروا " بغير فاء ولا لام ، وهو مجزوم على جواب الأمر المضمن معنى الشرط ، ومعناه واضح لا إشكال فيه ، وقد روي " فلتؤجروا " بفاء ولام ، وهكذا وجدته في أصل شيخنا أبي الصبر أيوب ، وينبغي أن تكون هذه اللام مكسورة ، لأنها لام كي ، وتكون الفاء زائدة ، كما زيدت في قوله صلى الله عليه وسلم : " قوموا فلأصلي لكم " في بعض رواياته ، وقد تقدم قول من قال : إن الفاء قد تأتي زائدة ، ويكون معنى الحديث : اشفعوا لكي تؤجروا ، ويحتمل أن يقال : إنها لام الأمر ، ويكون المأمور به التعرض للأجر بالاستشفاع ؛ فكأنه قال : استشفعوا وتعرضوا بذلك للأجر ، وعلى هذا فيجوز كسر هذه اللام على أصل لام الأمر ، ويجوز تخفيفها بالسكون لأجل حركة الحرف الذي قبلها .

                                                                                              و (قوله : " وليقض الله على لسان نبيه ما أحب ") هكذا صحت الرواية هنا [ ص: 633 ] وليقض ، باللام ، وجزم الفعل بها ، ولا يصح أن تكون لام كي ، كذلك ، ولا يصح أيضا أن تكون لام الأمر ، لأن الله تعالى لا يؤمر . وكأن هذه الصيغة وقعت موقع الخبر كما قد جاء في بعض نسخ مسلم : ويقضي الله : على الخبر بالفعل المضارع ، ومعناه واضح ، وهذه الشفاعة المذكورة في الحديث هي في الحوائج والرغبات للسلطان وذوي الأمر والجاه ، كما شهد به صدر الحديث ومساقه ، ولا يخفى ما فيها من الأجر والثواب ، لأنها من باب صنائع المعروف وكشف الكرب ومعونة الضعيف ؛ إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى السلطان وذوي الأمر ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول - مع تواضعه وقربه من الصغير والكبير ، إذ كان لا يحتجب ولا يحجب - : " أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها " وهذا هو معنى قوله تعالى : من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها [النساء: 85] . قال القاضي : ويدخل في عموم الحديث الشفاعة للمذنبين ، فيما لا حد فيه عند السلطان وغيره ، وله قبول الشفاعة فيه والعفو عنه إذا رأى ذلك كله ، كما له العفو عن ذلك ابتداء . وهذا فيمن كانت منه الزلة والفلتة ، وفي أهل الستر والعفاف . وأما المصرون على فسادهم ، المستهترون في باطلهم ، فلا تجوز الشفاعة لأمثالهم ، ولا ترك السلطان عقوبتهم ؛ ليزدجروا عن ذلك وليرتدع غيرهم بما يفعل بهم . وقد جاء الوعيد بالشفاعة في الحدود .




                                                                                              الخدمات العلمية