الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (15) قوله: فأما الإنسان : مبتدأ، وفي خبره وجهان، أحدهما: - وهو الصحيح - أنه الجملة من قوله "فيقول" كقوله: فأما الذين آمنوا فيعلمون كما تقدم بيانه، والظرف حينئذ منصوب بالخبر; لأنه في نية التأخير، ولا تمنع الفاء من ذلك، قاله الزمخشري وغيره. والثاني: أن "إذا" شرطية وجوابها "فيقول"، وقوله "فأكرمه" معطوف على "ابتلاه"، والجملة الشرطية خبر "الإنسان"، قاله أبو البقاء . وفيه نظر; لأن "إما" تلزم الفاء في الجملة الواقعة خبرا عما بعدها، ولا تحذف إلا مع قول مضمر، كقوله تعالى: فأما الذين اسودت كما تقدم بيانه، إلا في ضرورة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري : "فإن قلت بم اتصل قوله "فأما الإنسان"؟ قلت: بقوله: إن ربك لبالمرصاد فكأنه قيل: إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة، فأما الإنسان فلا يريد ذلك ولا يهمه إلا العاجلة". انتهى. يعني بالتعلق من حيث المعنى، وكيف عطفت هذه الجملة التفصيلية على ما قبلها مترتبة عليه؟ وقوله: "لا يريد إلا الطاعة" على مذهبه، ومذهبنا أن الله يريد الطاعة وغيرها، ولولا ذلك لم يقع. فسبحان من لا يدخل في ملكه ما لا يريد. وإصلاح العبارة أن يقول: إن الله يريد من العبد [ ص: 788 ] أو الإنسان من غير حصر. ثم قال: فإن قلت: فكيف توازن قوله: فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه وقوله: وأما إذا ما ابتلاه ، وحق التوازن أن يتقابل الواقعان بعد "أما" و"أما". تقول: "أما الإنسان فكفور، وأما الملك فشكور"، "أما إذا أحسنت إلى زيد فهو محسن إليك، وأما إذا أسأت إليه فهو مسيء إليك"؟ قلت: هما متوازنان من حيث إن التقدير: وأما هو إذا ما ابتلاه ربه وذلك أن قوله: فيقول ربي أكرمن خبر المبتدأ الذي هو الإنسان. ودخول الفاء لما في "أما" من معنى الشرط، والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر في نية التأخير، كأنه قال: فأما الإنسان فقائل ربي أكرمن وقت الابتلاء فوجب أن يكون "فيقول" الثاني خبر المبتدأ واجب تقديره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية