الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولو نـزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين وقالوا لولا أنـزل عليه ملك ولو أنـزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون

                                                                                                                                                                                                [ ص: 325 ] كتابا : مكتوبا في قرطاس : في ورق فلمسوه بأيديهم : ولم يقتصر بهم على الرؤية ; لئلا يقولوا : سكرت أبصارنا ، ولا تبقى لهم علة ، لقالوا : إن هذا إلا سحر مبين : تعنتا وعنادا للحق بعد ظهوره لقضي الأمر : لقضي أمر إهلاكهم ثم لا ينظرون : بعد نزوله طرفة عين ; إما لأنهم إذا عاينوا " الملك " قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته ، وهي آية لا شيء أبين منها وأيقن ، ثم لا يؤمنون ; كما قال : ولو أننا نـزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى [الأنعام : 111] ، لم يكن بد من إهلاكهم ، كما أهلك أصحاب المائدة .

                                                                                                                                                                                                وإما لأنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزول الملائكة ، فيجب إهلاكهم .

                                                                                                                                                                                                وإما لأنهم إذا شاهدوا " ملكا " في صورته ، زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون ، ومعنى : " ثم " بعد ما بين الأمرين : قضاء الأمر ، وعدم الإنظار ، جعل عدم الإنظار أشد [ ص: 326 ] من قضاء الأمر ; لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة ولو جعلناه ملكا : ولو جعلنا الرسول ملكا كما اقترحوا ; لأنهم كانوا يقولون : " لولا أنزل على محمد ملك" ، وتارة يقولون : ما هذا إلا بشر مثلكم [المؤمنون : 33] لو شاء ربنا لأنزل ملائكة [فصلت : 14] لجعلناه رجلا : لأرسلناه في صورة رجل ، كما كان ينزل جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أعم الأحوال في صورة دحية ; لأنهم لا يبقون مع رؤية الملائكة في صورهم وللبسنا عليهم : ولخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حينئذ ; فإنهم يقولون إذا رأوا الملك في صورة إنسان : هذا إنسان وليس بملك .

                                                                                                                                                                                                فإن قال لهم : الدليل أني ملك أني جئت بالقرآن المعجز ، وهو ناطق بأني ملك لا بشر - كذبوه كما كذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم - فإذا فعلوا ذلك ، خذلوا كما هم مخذولون الآن ، فهو لبس الله عليهم ، ويجوز أن يراد : وللبسنا عليهم حينئذ مثل ما يلبسون على أنفسهم الساعة في كفرهم بآيات الله البينة ، وقرأ ابن محيصن : " ولبسنا عليهم" ، بلام واحدة ، وقرأ الزهري : " وللبسنا عليهم ما يلبسون" ، بالتشديد .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية