الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (5) قوله : وما بناها : وما بعده، فيه وجهان، أحدهما: أن "ما" موصولة بمعنى الذي، وبه استشهد من يجوز وقوعها على آحاد أولي العلم; لأن المراد به الباري تعالى، وإليه ذهب الحسن ومجاهد وأبو عبيدة، واختاره ابن جرير. والثاني: أنها مصدرية، أي: وبناء [ ص: 19 ] السماء، وإليه ذهب الزجاج والمبرد، وهذا بناء منهما على أنها مختصة بغير العقلاء، واعترض على هذا القول: بأنه يلزم أن يكون القسم بنفس المصادر: بناء السماء وطحو الأرض وتسوية النفس، وليس المقصود إلا القسم بفاعل هذه الأشياء وهو الرب تبارك وتعالى. وأجيب عنه بوجهين، أحدهما: يكون على حذف مضاف، أي: ورب - أو باني - بناء السماء ونحوه. والثاني: أنه لا غرو في الإقسام بهذه الأشياء كما أقسم تعالى بالصبح ونحوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : "جعلت مصدرية وليس بالوجه لقوله "فألهمها" وما يؤدي إليه من فساد النظم. والوجه أن تكون موصولة، وإنما أوثرت على "من" لإرادة معنى الوصفية كأنه قيل: والسماء والقادر العظيم الذي بناها، ونفس والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها. وفي كلامهم: "سبحان ما سخركن لنا" انتهى. يعني أن الفاعل في "فألهمها" عائد على الله تعالى فليكن في "بناها" كذلك، وحينئذ يلزم عوده على شيء وليس هنا ما يمكن عوده عليه غير "ما" فتعين أن تكون موصولة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الشيخ: "أما قوله: "وليس بالوجه لقوله "فألهمها" يعني من عود الضمير في "فألهمها" على الله تعالى، فيكون قد عاد على مذكور وهو "ما" المراد به الذي. قال: "ولا يلزم ذلك; لأنا إذا جعلناها مصدرية عاد الضمير على ما يفهم من سياق الكلام، ففي "بناها" ضمير عائد على الله تعالى، أي: وبناها هو، أي: الله تعالى، كما إذا رأيت زيدا قد [ ص: 20 ] ضرب عمرا فتقول: "عجبت مما ضرب عمرا" تقديره: من ضرب عمرو هو، كان حسنا فصيحا جائزا، وعود الضمير على ما يفهم من سياق الكلام كثير ، وقوله: "وما يؤدي إليه من فساد النظم" ليس كذلك، ولا يؤدي جعلها مصدرية إلى ما ذكر، وقوله: "وإنما أوثرت" إلى آخره لا يراد بما ولا بمن الموصولتين معنى الوصفية; لأنهما لا يوصف بهما بخلاف "الذي" فاشتراكهما في أنهما لا يؤديان معنى الوصفية موجود بينهما فلا تنفرد به "ما" دون "من" وقوله: " وفي كلامهم " إلى آخره تأوله أصحابنا على أن "سبحان" علم و "ما" مصدرية ظرفية" انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      أما ما رد به عليه من كونه يعود على ما يفهم من السياق فليس يصلح ردا، لأنه إذا دار الأمر بين عوده على ملفوظ به وبين غير ملفوظ به فعوده على الملفوظ به أولى لأنه الأصل. وأما قوله: فلا تنفرد به "ما" دون "من" فليس مراد الزمخشري أنها توصف بها وصفا صريحا، بل مراده أنها تقع على نوع من يعقل، وعلى صفته، ولذلك مثل النحويون ذلك بقوله: فانكحوا ما طاب ، وقالوا: تقديره: فانكحوا الطيب من النساء، ولا شك أن هذا الحكم تنفرد به "ما" دون "من". والتنكير في "نفس" : إما لتعظيمها، أي: نفس عظيمة، وهي نفس آدم، وإما للتكثير كقوله: علمت نفس .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية