الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( باب الصلح والتزاحم على الحقوق المشتركة ) هو لغة قطع النزاع وشرعا عقد مخصوص يحصل ذلك وأصله قبل الإجماع قوله تعالى { والصلح خير } والخبر الصحيح { الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا } وخصوا لانقيادهم وإلا فالكفار مثلهم ( هو ) أنواع صلح بين المسلمين والمشركين أو بين الإمام والبغاة أو بين الزوجين وصلح في معاوضة أو دين وهو المقصود هنا ولفظه يتعدى غالبا للمتروك بمن وعن وللمأخوذ بعلى والباء وهو ( قسمان أحدهما يجري بين المتداعيين وهو نوعان أحدهما على إقرار ) أو حجة أخرى ( فإن جرى على عين غير ) العين ( المدعاة ) كأن ادعى عليه بدار فأقر له بها ثم صالحه عنها بثوب معين [ ص: 188 ] ( فهو بيع ) للمدعاة من المدعي لغريمه ( بلفظ الصلح تثبت فيه أحكامه ) أي : البيع ؛ لأن حده صادق عليه ( كالشفعة والرد بالعيب ) وخياري المجلس والشرط ( ومنع تصرفه ) في المصالح عليه وعنه ( قبل قبضه واشتراط التقابض إن اتفقا ) أي المصالح به والمصالح عليه ( في علة الربا ) واشتراط التساوي إن اتحدا جنسا ربويا والقطع في بيع نحو زرع أخضر والسلامة من شرط مفسد مما مر وجريان التحالف عند الاختلاف في شيء مما مر وقضية قوله على عين غير المدعاة الموافق لأصله والعزيز أن صلحه من عين مدعاة بدين موصوف ليس بيعا أي بل سلم .

                                                                                                                              وقضية عبارة الروضة عكسه ولا تخالف ؛ لأن الأول محمول على ما إذا كان الدين غير نقد ووصف بصفة السلم والثاني محمول على ما إذا كان الدين نقدا كالعين المدعاة لجواز بيع أحد النقدين بالآخر دون إسلامه فيه وحينئذ فلا ترد عليه مسألة الدين ؛ لأن فيه تفصيلا كما علمت .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( باب الصلح ) ( قول المصنف على عين ) يجوز أن يريد بها مقابل المنفعة بدليل مقابلتها بها وحينئذ فقوله فهو بيع يجوز أن [ ص: 188 ] يريد به المغني الشامل للسلم وحينئذ يدخل في قوله أحكامه أحكام السلم ولا يضر الإجمال في الأحكام ؛ لأن تفصيلها ورد أحكام كل من القسمين إليه موكول إلى ما علم من أبواب البيع وعلى هذا فلا يرد عليه مسألة الدين لدخولها في كلامه ( قوله في المصالح عليه وعنه ) كان الأول بالنسبة للمدعي والثاني بالنسبة للمدعى عليه وكان ضمير تصرفه للمذكور من المتداعيين .

                                                                                                                              ( قول المصنف قبل قبضه ) وقبض المصالح عنه إذا كان بيد المدعى عليه بمضي الزمن كما تقدم بيا نه في محله ( قوله : لأن الأول محمول إلخ ) كان وجهه أن الأصل فيما وصف بصفة السلم حيث أمكن حمله على السلم أنه سلم وإلا فكأن يمكن كون هذا الأول بيعا ( قوله غير نقد ) ظاهره وإن كانت العين نقدا ( قوله غير نقد ) ينبغي أو نقدا وكانت العين المدعاة غير نقد أما لو كان نقدا وكانت العين المدعاة غير نقد فهو بيع كما صرح به الشارح المحقق المحلي وهذا يرد على قوله والثاني محمول إلخ ؛ إذ لا يتقيد بكون المدعاة نقدا .

                                                                                                                              ( قوله على ما إذا كان الدين نقدا ) لا يتقيد بذلك بل وإن لم يكن نقدا كما صرح به المحلي ويتحصل حينئذ من هذا مع إطلاقه في الأول أنه سلم إذا كان الدين غير نقد والعين نقدا أو غير نقد وبيع إذا كان الدين نقدا دون العين أيضا فما وجه هذه التفرقة مع صلاحية كل للبيع والسلم فليحرر ( قوله : لأن فيه تفصيلا ) هذا التفصيل ممكن في العين أيضا .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( باب الصلح ) قول المتن ( باب الصلح ) لو عبر بكتاب كان أوضح ؛ لأنه لا يندرج تحت ما قبله ، وهو يذكر ويؤنث فيقال الصلح جائز وجائزة وهو رخصة على المعتمد ؛ لأن الرخصة هي الحكم المتغير إليه السهل لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي ولا يشترط لتسميتها رخصة التغير بالفعل بل ورود الحكم على خلاف ما تقتضيه الأصول العامة كاف في كونه رخصة كما يعلم ذلك من متن جمع الجوامع وشرحه ا هـ ع ش ( قوله والتزاحم ) إلى قوله وقضية قوله في النهاية وكذا في المغني إلا قوله وعنه ( قوله لغة ) أي : وعرفا ا هـ عميرة ( قوله وشرعا إلخ ) أي : فهو من نقل اسم المسبب إلى سببه على خلاف الغالب من النقل من الأعم إلى الأخص ( قوله يحصل ذلك ) من التحصيل أي : يحصل به قطع النزاع ( قوله { أحل حراما } ) كالصلح على نحو الخمر ( وقوله { أو حرم حلالا } ) كأن يصالح زوجته على أن لا يطلقها فإن قيل الصلح لم يحرم الحلال ولم يحلل الحرام بل الأمر على ما كان عليه من الحل والحرمة أجيب بأن الصلح هو المجوز لنا الإقدام على ذلك في الظاهر لو صححناه ا هـ بجيرمي .

                                                                                                                              ( قوله وخصوا ) أي : المسلمون بالذكر في الحديث ( قوله لانقيادهم ) أي : إلى الأحكام غالبا نهاية ومغني ( قوله أو بين الإمام ) أي : حقيقة أو حكما بأن وقع من نائبه وعبر النهاية والمغني هنا وفي قوله أو بين إلخ بالواو وهو أنسب بقولهم أنواع وعقدوا للأول باب الهدنة وللثاني باب البغاة وللثالث باب القسم والنشوز ( قوله أو دين ) بفتح الدال سواء كان بسبب معاملة أو لا فهو من عطف العام على الخاص عبارة النهاية والمغني وصلح المعاملة وهو مقصود الباب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وهو ) أي : صلح المعاوضة ( قوله أو حجة أخرى ) عبر بها دون البينة لتشمل الشاهد واليمين وعلم القاضي ع ش واليمين المردودة بجيرمي قول المتن ( على عين ) يجوز أن يريد بها مقابل المنفعة بدليل مقابلتها [ ص: 188 ] بها وحينئذ فقوله فهو بيع يجوز أن يريد به المعنى الشامل للسلم وحينئذ يدخل في قوله أحكامه أحكام السلم ولا يضر الإجمال في الأحكام ؛ لأن تفصيلها ورد أحكام كل من القسمين إليه موكول إلى ما علم من أبواب البيع وعلى هذا فلا يرد عليه مسألة الدين لدخولها في كلامه ا هـ سم ويأتي في الشرح جواب آخر قول المتن ( فهو بيع إلخ ) ويسمى صلح المعاوضة نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله في المصالح عليه وعنه ) كان الأولى بالنسبة للمدعي والثاني بالنسبة للمدعى عليه وكان ضمير تصرفه للمذكورين من المتداعيين ا هـ سم قول المتن ( قبل قبضه ) وقبض المصالح عنه إذا كان بيد المدعى عليه بمضي الزمن كما تقدم بيانه ا هـ سم أي : بعد الإذن في القبض ( قوله والقطع وقوله والسلامة ) عطف على التساوي ( وقوله وجريان التحالف ) عطف على اشتراط إلخ في الشرح أو على الشفعة في المتن ( قوله عكسه ) أي ليس سلما بل بيع ا هـ كردي ( قوله : لأن الأول محمول إلخ ) كان وجهه أن الأصل فيما وصف بصفة السلم حيث أمكن حمله على السلم أنه سلم وإلا فكان يمكن كون هذا الأول بيعا ا هـ سم ( قوله غير نقد ) ظاهره وإن كانت العين نقدا ا هـ سم أقول أخذا من قول الشارح الآتي كالعين المدعاة أن العين المدعاة هنا نقد ( قوله غير نقد ) ينبغي أو نقدا أو كانت العين المدعاة غير نقد ا هـ سم أي : كما يفهمه قول الشارح لجواز بيع إلخ ( فلا ترد عليه إلخ ) عبارة النهاية أما إذا صالحه على دين فإن كان ذهبا أو فضة فهو بيع أيضا أو عبدا أو ثوبا مثلا موصوفا بصفة السلم فهو سلم وسكت الشيخان عن ذلك أي الدين لظهوره قال الشارح جوابا عما اعترض به على المصنف بأنه كان من حقه أن يقول فإن جرى على غير العين المدعاة ليشمل ما لو كان على عين أو دين ووجه الرد أنه لو قال ذلك لم يحسن إطلاق كونه بيعا بل في المفهوم تفصيل ومعنى قول الشارح فهو سلم أي : حقيقة إن كان بلفظه وإلا فهو سلم حكما لا حقيقة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لأن فيه تفصيلا ) أي قد يكون الصلح عليه أي الدين بيعا وقد لا بخلاف العين قال سم هذا التفصيل ممكن في العين أيضا ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية