الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون

                                                                                                                                                                                                                                        (158) يقول تعالى: هل ينظر هؤلاء الذين استمر ظلمهم وعنادهم، إلا أن تأتيهم مقدمات العذاب، ومقدمات الآخرة بأن تأتيهم الملائكة لقبض [ ص: 527 ] أرواحهم، فإنهم إذا وصلوا إلى تلك الحال، لم ينفعهم الإيمان ولا صالح الأعمال. أو يأتي ربك لفصل القضاء بين العباد، ومجازاة المحسنين والمسيئين. أو يأتي بعض آيات ربك الدالة على قرب الساعة.

                                                                                                                                                                                                                                        يوم يأتي بعض آيات ربك الخارقة للعادة، التي يعلم بها أن الساعة قد دنت، وأن القيامة قد اقتربت. لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا أي: إذا وجد بعض آيات الله لم ينفع الكافر إيمانه أن آمن، ولا المؤمن المقصر أن يزداد خيره بعد ذلك، بل ينفعه ما كان معه من الإيمان قبل ذلك، وما كان له من الخير المرجو قبل أن يأتي بعض الآيات.

                                                                                                                                                                                                                                        والحكمة في هذا ظاهرة، فإنه إنما كان الإيمان ينفع إذا كان إيمانا بالغيب، وكان اختيارا من العبد، فأما إذا وجدت الآيات صار الأمر شهادة، ولم يبق للإيمان فائدة، لأنه يشبه الإيمان الضروري، كإيمان الغريق والحريق ونحوهما، ممن إذا رأى الموت، أقلع عما هو فيه كما قال تعالى: فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده .

                                                                                                                                                                                                                                        وقد تكاثرت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد ببعض آيات الله طلوع الشمس من مغربها وأن الناس إذا رأوها آمنوا فلم ينفعهم إيمانهم ويغلق حينئذ باب التوبة.

                                                                                                                                                                                                                                        ولما كان هذا وعيدا للمكذبين بالرسول صلى الله عليه وسلم منتظرا وهم ينتظرون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه قوارع الدهر ومصائب الأمور قال: قل انتظروا إنا منتظرون فستعلمون أينا أحق بالأمن.

                                                                                                                                                                                                                                        وفي هذه الآية دليل لمذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الأفعال الاختيارية لله تعالى كالاستواء والنزول والإتيان لله تبارك وتعالى من غير تشبيه له بصفات المخلوقين.

                                                                                                                                                                                                                                        وفي الكتاب والسنة من هذا شيء كثير وفيه أن من جملة أشراط الساعة طلوع الشمس من مغربها وأن الله تعالى حكيم قد جرت عادته وسنته أن الإيمان إنما ينفع إذا كان اختياريا لا اضطراريا كما تقدم.

                                                                                                                                                                                                                                        وأن الإنسان يكتسب الخير بإيمانه فالطاعة والبر والتقوى إنما تنفع وتنمو إذا كان مع العبد الإيمان فإذا خلا القلب من الإيمان لم ينفعه شيء من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 528 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية