الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ما يختلف به عدد الطلاق

قوله ( يملك الحر ثلاث طلقات ، وإن كان تحته أمة ، ويملك العبد اثنتين ، وإن كان تحته حرة ) ، هذا المذهب نص عليه ، وعليه الأصحاب ، قال الزركشي : هذا نص الروايتين ، وأشهرهما عن الإمام أحمد رحمه الله ، وعليه الأصحاب ، وعنه : أن الطلاق بالنساء ، فيملك زوج الحرة ثلاثا ، وإن كان عبدا ، وزوج الأمة اثنتين ، وإن كان حرا ، فعليها يعتبر طريان الرق بالمرأة ، وقال الزركشي : والأحاديث في هذا الباب ضعيفة ، والذي يظهر من الآية الكريمة : أن كل زوج يملك الثلاث مطلقا . انتهى . قلت : وهو قوي في النظر ، وعلى المذهب : لو علق العبد الثلاث بشرط ، فوجد بعد عتقه : طلقت ثلاثا على الصحيح من المذهب ، وقيل : تطلق اثنتين ويملك الثالثة ، وإن علق الثلاث بعتقه لغت الثالثة ، قدمه في الرعاية ، قال في الفروع : لغت في الأصح ، وقيل : بل تقع ، وقيل : إن قلنا يصح تعليقه على ملكه وقع وإلا فلا ، ولو علق بعد طلقة ملك تمام الثلاث ، ولو علق بعد طلقتين زاد في الرعاية ، والفروع أو عتقا : معا لم يملك ثالثة ، على الصحيح من المذهب ، [ ص: 4 ] قال في البلغة : لو عتق بعد طلقتين لم يملك نكاحها على الأصح ، قال في الرعاية : أظهر الروايتين المنع ، وجزم به في الوجيز ، وقدمه في الفروع ، وعنه يملك عليها طلقة ثالثة فتحل له ، ويأتي ذلك في كلام المصنف في آخر باب الرجعة ، والكلام عليه مستوفى إن شاء الله تعالى .

تنبيه : قد يقال : شمل كلام المصنف ما لو كان حرا حال الزواج ، ثم صار رقيقا بأن يلحق الذمي بدار الحرب فيسترق ، وقد كان طلق اثنتين وقلنا : ينكح عبد حرة نكحها هنا ، وبقي له طلقة ، ذكره المصنف ومن تابعه ، وفي الترغيب وجهان ، قلت : ويأتي عكس ذلك ، بأن تلحق الذمية دار الحرب ، ثم تسترق وكان زوجها ممن يباح له نكاح الإماء هل يملك عليها ثلاثا أو طلقتين ؟ .

فائدة : المعتق بعضه كالحر ، على الصحيح من المذهب ، ونص عليه ، وجزم به في المغني ، والبلغة ، والشرح ، والرعايتين ، والحاوي ، والوجيز ، وغيرهم ، وقال في الكافي : هو كالقن . قوله ( وإن ) ( قال : أنت الطلاق ، أو الطلاق لي لازم ) ، وكذا قوله " الطلاق يلزمني " أو " يلزمني الطلاق " أو " علي الطلاق " ونحوه ونوى الثلاث : طلقت ثلاثا ، وإن لم ينو شيئا ، أو قال " أنت طالق " ونوى الثلاث ففيه روايتان . اعلم أن الصحيح من المذهب أن قوله " أنت الطلاق " أو " الطلاق لي لازم " أو " يلزمني الطلاق " أو " علي الطلاق " ونحوه : صريح في الطلاق ، منجزا كان أو معلقا بشرط أو محلوفا به ، نص عليه ، وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به كثير منهم ، لكن هل هو صريح في الثلاث ، أو في واحدة ؟ يأتي ذلك ، وقيل : ذلك كناية ، [ ص: 5 ] قال في القواعد الفقهية وتبعه في الأصولية لو نوى به ما دون الثلاث ، فهل يقع به ما نواه خاصة ، أو يقع به الثلاث ، ويكون ذلك صريحا في الثلاث ؟ فيه طريقان للأصحاب . انتهى . وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله أن قوله " الطلاق يلزمني " ونحوه يمين باتفاق العقلاء والأمم والفقهاء ، وخرجه على نصوص الإمام أحمد رحمه الله قال في الفروع : وهو خلاف صريحها ، وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضا : إن حلف به نحو " الطلاق لي لازم " ونوى النذر : كفر عند الإمام أحمد رحمه الله ، ذكره عنه في الفروع في كتاب الأيمان ، ونصره في إعلام الموقعين ، هو والذي قبله ، وقد ذكر أن أخا الشيخ تقي الدين رحمه الله اختار عدم الكفارة فيهما ، وهو مذهب ابن حزم ، فعلى المذهب : إذا لم ينو شيئا ، فأطلق المصنف هنا في وقوع الثلاث أو وقوع واحدة الروايتين ، وأطلقهما في القواعد الأصولية ، وابن منجا في شرحه ، إحداهما : تطلق ثلاثا ، صححها في التصحيح ، قال في الروضة : وهو قول جمهور أصحابنا ، ونص عليها الإمام أحمد رحمه الله في رواية مهنا ، واختارها أبو بكر ، والرواية الأخرى : تطلق واحدة ، وهو المذهب ، اختاره المصنف ، وقال : هو الأشبه ، وإليه ميل الشارح ، وجزم به في الوجيز ، والمنور ، ومنتخب الأدمي ، وغيرهم ، وقدمه في المحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وغيرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية