الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ياأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا

                          [ ص: 371 ] قالوا في وجه اتصال الآية الأولى من هذه الآيات بما قبلها من أول السورة : لما نهى - سبحانه - فيما تقدم عن عادات الجاهلية في أمر اليتامى والأموال عقبه بالنهي عن نوع من الاستنان بسننهم في النساء أنفسهن أو أموالهن .

                          وقال الأستاذ الإمام : وجه الاتصال ظاهر ، وهو أن الكلام من أول السورة في النساء ، والبيوت ، وإنما جاء ذكر التوبة استطرادا ، وأما ما ورد في سبب نزولها فقد أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة ، عن ابن عباس قال : " كان الرجل إذا مات أبوه ، أو حميمه وترك جارية ألقى عليها ابنه ، أو حميمه ثوبه فمنعها من الناس ، فإن كانت جميلة تزوجها ، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها " ، وفي رواية البخاري وأبي داود : " كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها : وإن شاءوا لم يزوجوها ، فهم أحق بها من أهلها ، فنزلت هذه الآية في ذلك " ، وأخرج ابن المنذر ، عن عكرمة قال : " نزلت هذه الآية في كبيشة ابنة معن بن عاصم من الأوس كانت عند أبي قيس بن الأسلت فتوفي عنها فجنح عليها ابنه ، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : لا أنا ورثت زوجي ، ولا أنا تركت فأنكح . فنزلت " . وروي مثله عن أبي جعفر ، وأخرج ابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم قال : كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله ، فكان يعضلها حتى يتزوجها ، أو يزوجها من أراد فنهى الله المؤمنين عن ذلك . وروي عن الزهري : أنها نزلت في الرجل يحبس المرأة عنده لا حاجة له بها ، وينتظر موتها حتى يرثها . قال - تعالى - :

                          ياأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها أي لا يحل لكم أيها الذين خرجوا من الشرك وتقاليده الجائرة وآمنوا بالله وبما أنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن تستمروا على سنة الجاهلية في هضم حقوق النساء فتجعلوهن ميراثا لكم كالأموال ، والعروض ، والعبيد ، وتتصرفوا بهن كما تشاءون ، فإن شاء أحدكم تزوج امرأة من يموت من أقاربه ، وإن شاء زوجها غيره ، وإن شاء أمسكها ومنعها الزواج ، وذلك هو العضل الآتي ذكره . وقيل : المراد لا يحل لكم أن ترثوا أموال النساء كرها بأن تمسكوهن على كره لأجل أن يمتن فترثوهن ، وقوله : ( كرها ) قرأه حمزة ، والكسائي بالضم حيث وقع ، ووافقهما عاصم ، وابن عامر ، ويعقوب في الأحقاف ، وقرأه الباقون بالفتح . وهو بالضبطين مصدر لـ كره ضد أحب ( كما ورد الضعف بضم الضاد وفتحها ) ، وقيل الكره بالضم : الإكراه ، وبالفتح : الكراهية ، وقيل يطلق كل منهما على المكروه ، وعلى ما أكره المرء عليه ; ولذلك اختلفوا في تفسير الكره هنا فقيل معناه : لا ترثوهن حال كونهن كارهات لذلك ، وقيل : حال كونهن مكرهات عليه ، وقيل : حال كونهن كارهين لكم ، وقيل : حال كونكم مكروهين لهن ، وكل هذه [ ص: 372 ] المعاني صحيحة ، ولفظ الكره ليس قيدا للتحريم ، وإنما هو بيان للواقع ، قال الأستاذ الإمام : كانت العرب تحتقر النساء وتعدهن من قبيل المتاع ، والعروض حتى كان الأقربون يرثون زوجة من يموت منهم كما يرثون ماله ، فحرم الله هذا العمل من أعمال الجاهلية . ولفظ الكره هنا ليس قيدا ، وإنما هو بيان للواقع الذي كانوا عليه ، فإنهم كانوا يرثونهن بغير رضاهن .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية