الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 276 ] 448 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسلام الرجل على يد الرجل أنه يكون بذلك أولى الناس بمحياه وبمماته هل يكون بذلك مولى له أو لا يكون بذلك مولى له حتى يكون بينه وبينه موالاة مستأنفة

2852 - حدثنا فهد بن سليمان ، وأبو أيوب عبيد الله بن عبيد بن عمران الطبراني قالا : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، عن عبد الله بن موهب ، قال : سمعت تميما الداري قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يسلم على يدي الرجل ، فقال : هو أولى الناس بمحياه وبمماته .

[ ص: 277 ] [ ص: 278 ] [ ص: 279 ]

2853 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني ، حدثنا يحيى بن حمزة الحضرمي ، قال : حدثني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، عن عبد الله بن موهب ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن تميم الداري رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله .

قال لنا فهد : فقلت لأبي نعيم لما حدثنا هذا الحديث بغير ذكر منه فيه بين عبد الله بن موهب وبين تميم الداري أحدا : إن أبا مسهر حدثنا به عن يحيى بن حمزة ، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، فأدخل بينهما قبيصة بن ذؤيب ، فلم يقل شيئا .

2854 - حدثنا محمد بن سنان الشيرزي ، قال : حدثنا هشام بن عمار ، قال : حدثنا يحيى بن حمزة ، قال : حدثني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، قال : سمعت عبد الله بن موهب يحدث ، عن قبيصة بن [ ص: 280 ] ذؤيب ، عن تميم الداري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

2855 - حدثنا الربيع بن سليمان بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف الدمشقي ، قال : حدثنا يحيى بن حمزة ، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، عن عبد الله بن موهب ، عن قبيصة بن ذؤيب أن تميما الداري قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله .

2856 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن عبد الله بن وهب ، ولم يقل : ابن موهب ، عن تميم الداري قال : قلت : يا رسول الله ، الرجل من المشركين يسلم على يد الرجل من المسلمين ؟ قال : هو أولى الناس بمحياه وبمماته .

[ ص: 281 ] قال : فكان فيما رويناه من حديث تميم هذا إثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إسلام الرجل على يدي الرجل يوجب له أنه أولى الناس بمحياه وبمماته ، فتعلق قوم بهذا الحديث ، فأثبتوا به الولاء للذي كان الإسلام على يده من الذي أسلم على يده ، وجعلوه به مولاه ، وورثوه منه ، منهم عمر بن عبد العزيز .

كما قد حدثنا الربيع بن سليمان بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدثنا يحيى بن حمزة ، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، قال : شهدت عمر بن عبد العزيز قضى بذلك ، يعني : ما في حديثه هذا ، في رجل أسلم على يدي رجل مسلم ، فمات وترك مالا وابنة ، فأعطى البنت النصف ، والذي أسلم على يديه البقية .

وكما حدثنا محمد بن سنان ، قال : حدثنا هشام بن عمار ، قال : حدثنا يحيى بن حمزة ، ثم ذكر بإسناده مثله .

[ ص: 282 ] ومنهم ربيعة بن أبي عبد الرحمن .

كما حدثنا يونس ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : حدثني يونس بن يزيد ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال : إذا جاء كافر فأسلم على يدي مسلم بأرض عدو أو بأرض المسلمين ، فميراثه للذي أسلم على يديه .

ومنهم سعيد بن المسيب .

كما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، قال : حدثنا شداد بن سعيد ، قال : حدثنا قتادة ، عن سعيد بن المسيب قال : من أسلم على يدي قوم ضمنوا جرائره ، وحل لهم ميراثه .

وذهب آخرون ، وهم أكثر العلماء سواهم ، إلى أن إسلام الرجل على يدي الرجل لا يوجب له ولاءه حتى يواليه بعد ذلك ، فيكون بذلك مولاه ، كما يكون مولاه لو والاه ، ولم يكن أسلم على يديه قبل هذا ، وهذا مذهب الكوفيين .

وقد روي هذا القول عن ابن شهاب الزهري .

[ ص: 283 ]

كما حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الذهلي الكوفي ، قال : حدثنا أحمد بن جميل المروزي ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري أنه سئل عن رجل أسلم فوالى رجلا ، هل بذلك بأس ؟ فقال : لا بأس به ، قد أجاز ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

قال : ففي هذا الحديث إثبات الولاء بالموالاة لا بالإسلام قبلها على يد رجل بلا موالاة من المسلم إياه ، وقد يحتمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو أولى الناس بمحياه وبمماته ، في أن لا يوالي غيره ، وأن يكون يقصد بموالاته إليه ، إذ كان الله - عز وجل - هداه على يده ، وأرشده بتسديده إياه إلى الدين الذي دخل فيه ، ويكون ذلك ؛ لأن الناس يحتاجون إلى التعارف إذ كان الله - عز وجل - جعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا كما ذكر ذلك في كتابه ، فكانوا بشعوبهم وبقبائلهم يتعارفون لا بما سواها ، فكان من أسلم يحتاج إلى أن يكون من شعب من تلك الشعوب ، أو من قبيلة من تلك القبائل حتى ينسب إلى من يكون إليه من ذلك ، فيعرف به .

كما قد قال عبد الله بن يزيد المقرئ ، فيما سمعت بكار بن قتيبة يقول : قال أبو عبد الرحمن المقرئ : أتيت أبا حنيفة رحمه الله فقال [ ص: 284 ] لي : ممن الرجل ؟ فقلت : رجل من الله عز وجل عليه بالإسلام ، فقال لي : لا تقل هكذا ، ولكن وال بعض هذه الأحياء ، ثم انتم فإني أنا كنت كذلك .

قال أبو جعفر : ولم يسمع بكار هذا الحديث من المقرئ ، ولكن .

حدثني محمد بن جعفر بن محمد بن أعين ، قال : سمعت أحمد بن منصور الرمادي ، قال : سمعت المقرئ يقول ... ثم ذكر هذا الحديث .

فكان قوله : هو أولى الناس بمحياه وبمماته ، أي : بأن يواليه ، فيكون بذلك مولاه إذ لا أحد أوجب حقا عليه منه ، وهذا كلام عربي يفهمه المخاطبون به من العرب ممن خاطبهم به من العرب ، كمثل ما قد فهم المسلمون عن الله عز وجل مراده بقوله في كفارات الأيمان : ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ، أن مراده عز وجل إذا حلفتم فحنثتم لا ما سوى ذلك ، والله أعلم بمراده صلى الله عليه وسلم كان في ذلك ، وإياه نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية