الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          443 - مسألة : والتوجيه سنة حسنة ، وهو أن يقول الإمام والمنفرد بعد التكبير لكل صلاة - فرض أو غير فرض ، جهرا أو سرا - : ما حدثناه حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، وأحمد بن زهير بن حرب ، كل واحد منهما يقول : حدثني أبي .

                                                                                                                                                                                          ثم قال أحمد بن حنبل : ثنا أبو سعيد ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون ثنا عبد الله بن الفضل ، وأبو يوسف بن أبي سلمة الماجشون كلاهما عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ثم قال - : } .

                                                                                                                                                                                          وقال زهير بن حرب : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة هو ابن الماجشون - حدثني عمي - هو أبو يوسف بن أبي سلمة - عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ثم قال - } : واتفق أحمد وزهير في روايتيهما جميعا { وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت ، وأنا أول المسلمين ، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا [ ص: 12 ] إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك ، أنا بك وإليك تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وقد رويناه من طريق الحجاج بن المنهال ، وأبي النضر ، ومعاذ بن معاذ ، كلهم عن ابن الماجشون .

                                                                                                                                                                                          ورويناه أيضا من طريق جابر بن عبد الله وغيره من الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب وأبو بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وأبو كامل ، قال أبو كامل : ثنا عبد الواحد بن زياد ، وقال أبو بكر ، وابن نمير : ثنا ابن فضيل ، وقال زهير : ثنا جرير بن عبد الحميد .

                                                                                                                                                                                          ثم اتفق عبد الواحد ، وابن فضيل ، وجرير - واللفظ له - كلهم عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال : أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد } .

                                                                                                                                                                                          ورويناه أيضا من طريق سفيان عن عمارة بن القعقاع بإسناده نحوه .

                                                                                                                                                                                          وإنما نذكر ذلك فرضا ، لأنه فعل منه عليه السلام ولم يؤمر به فكان الائتساء به حسنا . [ ص: 13 ]

                                                                                                                                                                                          ونستحب أيضا أن يكون للإمام سكتة بعد فراغه من القراءة قبل ركوعه

                                                                                                                                                                                          كما حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث بن سعيد التنوري ثنا يونس هو ابن عبيد - عن الحسن البصري { أن سمرة بن جندب صلى فكبر ، ثم سكت ساعة ، ثم قرأ فلما ختم السورة سكت ساعة ، ثم كبر فركع ؟ فقال له عمران بن الحصين : ما هذا ؟ فقال له سمرة : حفظت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب في ذلك إلى أبي بن كعب فصدق سمرة } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : فنحن نختار أن يفعل كل إمام كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله بعده سمرة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ويقرأ المأموم في السكتة الأولى " أم القرآن " فمن فاتته قرأ في السكتة الثانية ؟ قال علي : وقد فعل ما قلنا جمهور السلف - : روينا من طريق حماد بن سلمة عن إبراهيم النخعي عن علقمة قال : كان عمر بن الخطاب إذا دخل في الصلاة قال : الله أكبر سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ، يرفع بها صوته ، فظننا أنه يريد أن يعلمنا ؟ وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عمر بن الخطاب : أنه كان إذا كبر قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، تبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك

                                                                                                                                                                                          فهذا فعل عمر رضي الله عنه بحضرة الصحابة لا مخالف له منهم ؟ ورويناه أيضا - عن علي بن أبي طالب ، وعن ابن عمر ، وعن طاوس وعطاء ، كلهم يتوجه بعد التكبير في صلاة الفرض .

                                                                                                                                                                                          وهو قول الأوزاعي ، وسفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود وأصحابهم ؟ وقال مالك : لا أعرف التوجيه قال علي : ليس من لا يعرف حجة على من عرف ؟ وقد احتج بعض مقلديه في معارضته ما ذكرنا بما { روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه [ ص: 14 ] كان يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب { الحمد لله رب العالمين } } .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وهذا لا حجة لهم فيه ، بل هو قولنا ، لأن استفتاح القراءة ب " الحمد لله رب العالمين " : لا يدخل فيه التوجيه ، لأنه ليس التوجيه قراءة ، وإنما هو ذكر .

                                                                                                                                                                                          فصح أنه عليه السلام كان يفتتح الصلاة بالتكبير ، ثم يذكر ما قد صح عنه من الذكر ، ثم يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ، وزيادة العدول لا يجوز ردها - وبالله تعالى التوفيق ولا يقولها المأموم ، لأن فيها شيئا من القرآن ، وقد نهى عليه السلام أن يقرأ خلف الإمام إلا " بأم القرآن " فقط ، فإن دعا بعد قراءة " أم القرآن " في حال سكتة الإمام بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : فحسن ؟ .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية