الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ما ذكر من البعد من الإيمان مع تصريف العظات والعبر والآيات يكاد أن يؤنس السامع من إيمان هؤلاء المدعوين، قربه دلالة على عزته وحكمته بالتذكير بالإيمان من هم أعلى منهم عتوا وأشد نفرة وأبعد إجابة وأخفى شخصا، فقال جوابا عما وقع له صلى الله عليه وسلم في عرض نفسه الشريفة [على] القبائل وإبعادهم عنه لا سيما أهل الطائف، دالا على تمام القدرة بشارة للمنزل [عليه] صلى الله عليه وسلم وتوبيخا لما تأخر عن إجابته من قومه عاطفا على ما تقديره: اذكر هذه الأخبار: وإذ أي: واذكر حين صرفنا إليك أي: وجهنا توجيها خالصا حسنا متقنا فيه ميل إليك وإقبال عليك، وإعراض عن غيرك، بوادي نخلة عند انصرافك من الطائف حين عرضت نفسك الشريفة عليهم بعد موت النصيرين فردوك [ ص: 178 ] ردا تكاد تنشق منه المرائر، وتسل من تذكاره النواظر.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان استعطاف من جبل على النفرة وإظهار من بني على الاجتنان أعظم في النعمة، عبر بما يدل على ذلك فقال: نفرا وهو اسم يطلق على ما دون العشرة، وهو المراد هنا، ويطلق على الناس كلهم، وحسن التعبير به أن هؤلاء لما خصوا بشرف السبق وحسن المتابعة كانوا كأنهم هم النفر لا غيرهم من الجن من أهل نصيبين من الناحية التي منها عداس الذي جبرناك به في الطائف بما شهد به لسيديه عتبة وشيبة ابني ربيعة أنك خير أهل الأرض مع أنه ليس لهؤلاء النفر من جبلاتهم إلا النفرة والاجتنان وهو الاختفاء والستر فجعلناهم آلفين لك ظاهرين عندك لتبلغهم ما أرسلناك به؛ فإنا أرسلناك إلى جميع الخلائق، وهذا جبر لك وبشارة بإيمان النافرين من الإنس كما أيدناك منهم بعد نفرة أهل الطائف بعداس، ثم وصفهم بقوله: يستمعون القرآن أي: يطلبون سماع الذكر الجامع لكل خير، الفارق بين كل ملبس وأنت في صلاة الفجر في نخلة تصلي بأصحابك، ودل [ ص: 179 ] على قرب زمن الصرف من زمن الحضور بتعبيره سبحانه بالفاء في قوله تعالى مفصلا لحالهم: فلما حضروه أي: صاروا بحيث يسمعونه قالوا أي: قال بعضهم ورضي الآخرون: أنصتوا أي اسكتوا وميلوا بكلياتكم واستمعوا حفظا للأدب على بساط الخدمة، وفيه تأدب مع العلم في تعلمه وأيضا مع معلمه، قال القشيري: فأهل الحضور صفتهم الذبول والسكون والهيبة والوقار، والثوران والانزعاج يدل على غيبة أو قلة تيقظ ونقصان من الاطلاع، ودل على أن ما استمعوه كان يسيرا وزمنه قصيرا، وعلى تفصيل حالهم بعد انقضائه بالفاء في قوله تعالى: فلما أي: فأنصتوا فحين قضي أي: حصل الفراغ من قراءته الدالة على عظمته من أي قارئ كان ولوا أي: أوقعوا [ ص: 180 ] التولية - أي القرب - بتوجيه الوجوه والهمم والعزائم إلى قومهم الذين فيهم قوة القيام بما يحاولونه، ودل على حسن تقبلهم لما سمعوه ورسوخهم في اعتقاده بقوله تعالى: منذرين أي: مخوفين لهم ومحذرين عواقب الضلال بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية