الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شيع

                                                          شيع : الشيع : مقدار من العدد كقولهم : أقمت عنده شهرا أو شيع شهر . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : بعد بدر بشهر أو شيعه أي أو نحو من شهر . يقال : أقمت به شهرا أو شيع شهر أي مقداره أو قريبا منه . ويقال : كان معه مائة رجل أو شيع ذلك ، كذلك . وآتيك غدا أو شيعه أي بعده ، وقيل اليوم الذي يتبعه ; قال عمر بن أبي ربيعة :


                                                          قال الخليط غدا تصدعنا أو شيعه أفلا تشيعنا

                                                          وتقول : لم أره منذ شهر وشيعه أي ونحوه . والشيع : ولد الأسد إذا أدرك أن يفرس . والشيعة : القوم الذين يجتمعون على الأمر . وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة . وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع . قال الأزهري : ومعنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضا وليس كلهم متفقين ، قال الله عز وجل : الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل فرقة تكفر الفرقة المخالفة لها يعني به اليهود والنصارى ; لأن النصارى بعضهم يكفر بعضا ، وكذلك اليهود والنصارى تكفر اليهود ، واليهود تكفرهم ، وكانوا أمروا بشيء واحد . وفي حديث جابر لما نزلت : أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هاتان أهون وأيسر ; الشيع الفرق ، أي يجعلكم فرقا مختلفين . وأما قوله تعالى : وإن من شيعته لإبراهيم فإن ابن الأعرابي ، قال : الهاء لمحمد أي إبراهيم خبر مخبره فاتبعه ودعا له ، وكذلك قال الفراء : يقول هو على منهاجه ودينه وإن كان إبراهيم سابقا له ، وقيل : معناه أي من شيعة نوح ومن أهل ملته ، قال الأزهري : وهذا القول أقرب ; لأنه معطوف على قصة نوح ، وهو قول الزجاج . والشيعة : أتباع الرجل وأنصاره ، وجمعها شيع ، وأشياع جمع الجمع . ويقال : شايعه ، كما يقال والاه من الولي ، وحكي في تفسير قول الأعشى :


                                                          يشوع عونا ويجتابها

                                                          يشوع : يجمع ، ومنه شيعة الرجل ، فإن صح هذا التفسير فعين الشيعة واو ، وهو مذكور في بابه ، وفي الحديث : القدرية شيعة الدجال أي أولياؤه وأنصاره ، وأصل الشيعة الفرقة من الناس ، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد ، وقد غلب هذا الاسم على من يتوالى عليا وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين حتى صار لهم اسما خاصا ، فإذا قيل : فلان من الشيعة عرف أنه منهم . وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم . وأصل ذلك من المشايعة ، وهي المتابعة والمطاوعة ; قال الأزهري : والشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي صلى الله عليه وسلم ويوالونهم . والأشياع أيضا : الأمثال . وفي التنزيل : كما فعل بأشياعهم من قبل ; أي بأمثالهم من الأمم الماضية ومن كان مذهبه مذهبهم ; قال ذو الرمة :


                                                          استحدث الركب عن أشياعهم خبرا     أم راجع القلب من أطرابه طرب

                                                          يعني عن أصحابهم . يقال : هذا شيع هذا أي مثله . والشيعة : الفرقة ، وبه فسر الزجاج قوله تعالى : ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين . والشيعة : قوم يرون رأي غيرهم . وتشايع القوم : صاروا شيعا . وشيع الرجل إذا ادعى دعوى الشيعة . وشايعه شياعا وشيعه : تابعه . والمشيع : الشجاع ; ومنهم من خص فقال : من الرجال . وفي حديث خالد : أنه كان رجلا مشيعا ; المشيع : الشجاع لأن قلبه لا يخذله ، فكأنه يشيعه أو كأنه يشيع بغيره . وشيعته نفسه على ذلك وشايعته ، كلاهما : تبعته وشجعته ، قال عنترة :


                                                          ذلل ركابي حيث كنت مشايعي     لبي وأحفزه برأي مبرم

                                                          قال أبو إسحاق : معنى شيعت فلانا في اللغة اتبعت . وشيعه على رأيه وشايعه ، كلاهما : تابعه وقواه ، ومنه حديث صفوان : إني أرى موضع الشهادة لو تشايعني نفسي أي تتابعني . ويقال : شاعك الخير أي لا فارقك ; قال لبيد :


                                                          فشاعهم حمد وزانت قبورهم     أسرة ريحان بقاع منور

                                                          ويقال : فلان يشيعه على ذلك أي يقويه ; ومنه تشييع النار بإلقاء الحطب عليها يقويها . وشيعه وشايعه ، كلاهما : خرج معه عند [ ص: 177 ] رحيله ليودعه ويبلغه منزله ، وقيل : هو أن يخرج معه يريد صحبته وإيناسه إلى موضع ما . وشيع شهر رمضان بستة أيام من شوال أي أتبعه بها ، وقيل : حافظ على سيرته فيها على المثل . وفلان شيع نساء : يشيعهن ويخالطهن . وفي حديث الضحايا : لا يضحى بالمشيعة من الغنم ; هي التي لا تزال تتبع الغنم عجفا ، أي لا تلحقها فيها أبدا تشيعها أي تمشي وراءها ، هذا إن كسرت الياء ، وإن فتحتها فهي التي تحتاج إلى من يشيعها أي يسوقها لتأخرها عن الغنم حتى يتبعها ; لأنها لا تقدر على ذلك . ويقال : ما تشايعني رجلي ولا ساقي أي لا تتبعني ولا تعينني على المشي ; وأنشد شمر :


                                                          وأدماء تحبو ما يشايع ساقها     لدى مزهر ضار أجش ومأتم

                                                          الضاري : الذي قد ضري من الضرب به يقول : قد عقرت فهي تحبو لا تمشي ; قال كثير :


                                                          وأعرض من رضوى مع الليل دونهم     هضاب ترد الطرف ممن يشيع

                                                          أي ممن يتبعه طرفه ناظرا . ابن الأعرابي : سمع أبا المكارم يذم رجلا فقال : هو ضب مشيع ; أراد أنه مثل الضب الحقود لا ينتفع به . والمشيع : من قولك شعته أشيعه شيعا إذا ملأته . وتشيع في الشيء : استهلك في هواه . وشيع النار في الحطب : أضرمها ; قال رؤبة :


                                                          شدا كما يشيع التضريم

                                                          والشيوع والشياع : ما أوقدت به النار ، وقيل : هو دق الحطب تشيع به النار ، كما يقال شباب للنار وجلاء للعين . وشيع الرجل بالنار : أحرقه ، وقيل : كل ما أحرق فقد شيع . يقال : شيعت النار إذا ألقيت عليها حطبا تذكيها به ، ومنه حديث الأحنف : وإن حسكى كان رجلا مشيعا ، قال ابن الأثير : أراد به ههنا العجول من قولك : شيعت النار إذا ألقيت عليها حطبا تشعلها به . والشياع : صوت قصبة ينفخ فيها الراعي ; قال :


                                                          حنين النيب تطرب للشياع

                                                          وشيع الراعي في الشياع : ردد صوته فيها . والشاعة : الإهابة بالإبل . وأشاع بالإبل وشايع بها وشايعها مشايعة وأهاب بمعنى واحد : صاح بها ودعاها إذا استأخر بعضها ; قال لبيد :


                                                          تبكي على إثر الشباب الذي مضى     ألا إن إخوان الشباب الرعارع
                                                          أتجزع مما أحدث الدهر بالفتى     وأي كريم لم تصبه القوارع
                                                          فيمضون أرسالا ونخلف بعدهم     كما ضم أخرى التاليات المشايع

                                                          وقيل : شايعت بها إذا دعوت لها لتجتمع وتنساق ; قال جرير يخاطب الراعي :


                                                          فألق استك الهلباء فوق قعودها     وشايع بها واضمم إليك التواليا

                                                          يقول : صوت بها ليلحق أخراها أولاها ; قال الطرماح :


                                                          إذا لم تجد بالسهل رعيا تطوقت     شماريخ لم ينعق بهن مشيع

                                                          وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن مريم ابنة عمران سألت ربها أن يطعمها لحما لا دم فيه فأطعمها الجراد ، فقالت : اللهم أعشه بغير رضاع وتابع بينه بغير شياع ; الشياع بالكسر : الدعاء بالإبل لتنساق وتجتمع ; المعنى يتابع بينه في الطيران حتى يتتابع من غير أن يشايع ، كما يشايع الراعي بإبله لتجتمع ولا تتفرق عليه ; قال ابن بري : بغير شياع أي بغير صوت ، وقيل لصوت الزمارة شياع ; لأن الراعي يجمع إبله بها ; ومنه حديث علي : أمرنا بكسر الكوبة والكنارة والشياع ; قال ابن الراعي : الشياع زمارة الراعي ، ومنه قول مريم : اللهم سقه بلا شياع أي بلا زمارة راع . وشاع الشيب شيعا وشياعا وشيعانا وشيوعا وشيعوعة ومشيعا : ظهر وتفرق ; وشاع فيه الشيب ، والمصدر ما تقدم وتشيعه كلاهما : استطار . وشاع الخبر في الناس يشيع شيعا وشيعانا ومشاعا وشيعوعة ، فهو شائع : انتشر وافترق وذاع وظهر . وأشاعه هو وأشاع ذكر الشيء : أطاره وأظهره . وقولهم : هذا خبر شائع ، وقد شاع في الناس معناه قد اتصل بكل أحد فاستوى علم الناس به ولم يكن علمه عند بعضهم دون بعض . والشاعة : الأخبار المنتشرة . وفي الحديث : أيما رجل أشاع على رجل عورة ليشينه بها أي أظهر عليه ما يعيبه . وأشعت المال بين القوم والقدر في الحي إذا فرقته فيهم ، وأنشد أبو عبيد :


                                                          فقلت أشيعا مشرا القدر حولنا     وأي زمان قدرنا لم تمشر

                                                          وأشعت السر وشعت به إذا أذعت به . ويقال : نصيب فلان شائع في جميع هذه الدار ومشاع فيها أي ليس بمقسوم ولا معزول ; قال الأزهري : إذا كان في جميع الدار فاتصل كل جزء منه بكل جزء منها ، قال : وأصل هذا من الناقة إذا قطعت بولها ، قيل : أوزغت به إيزاغا ، وإذا أرسلته إرسالا متصلا ، قيل : أشاعت . وسهم شائع أي غير مقسوم وشاع أيضا كما يقال سائر اليوم وساره ; قال ابن بري : شاهده قول ربيعة بن مقروم :


                                                          له وهج من التقريب شاع

                                                          أي شائع ; ومثله :


                                                          خفضوا أسنتهم فكل ناع

                                                          أي نائع . وما في هذه الدار سهم شائع وشاع مقلوب عنه أي مشتهر منتشر . ورجل مشياع أي مذياع لا يكتم سرا . وفي الدعاء : حياكم الله وشاعكم السلام وأشاعكم السلام أي عمكم وجعله صاحبا لكم وتابعا ، وقال ثعلب : شاعكم السلام صحبكم وشيعكم ، وأنشد :


                                                          ألا يا نخلة من ذات عرق     برود الظل شاعكم السلام

                                                          أي تبعكم السلام وشيعكم . قال : ومعنى أشاعكم السلام أصحبكم [ ص: 178 ] إياه ، وليس ذلك بقوي . وشاعكم السلام ، كما تقول عليكم السلام ، وهذا إنما يقوله الرجل لأصحابه إذا أراد أن يفارقهم ، كما قال قيس بن زهير لما اصطلح القوم : يا بني عبس شاعكم السلام فلا نظرت في وجه ذبيانية قتلت أباها وأخاها ، وسار إلى ناحية عمان وهناك اليوم عقبه وولده ; قال يونس : شاعكم السلام يشاعكم شيعا أي ملأكم . وقد أشاعكم الله بالسلام يشيعكم إشاعة . ونصيبه في الشيء شائع وشاع على القلب والحذف ومشاع ، كل ذلك : غير معزول . أبو سعيد : هما متشايعان ومشتاعان في دار أو أرض إذا كانا شريكين فيها ، وهم شيعاء فيها ، وكل واحد منهم شيع لصاحبه . وهذه الدار شيعة بينهم أي مشاعة . وكل شيء يكون به تمام الشيء أو زيادته ، فهو شياع له . وشاع الصدع في الزجاجة : استطار وافترق ; عن ثعلب . وجاءت الخيل شوائع وشواعي على القلب أي متفرقة . قال الأجدع بن مالك بن مسروق بن الأجدع :


                                                          وكان صرعاها قداح مقامر     ضربت على شرن فهن شواعي

                                                          ويروى : كعاب مقامر . وشاعت القطرة من اللبن في الماء وتشيعت : تفرقت . تقول : تقطر قطرة من لبن في الماء . وشيع فيه أي تفرق فيه . وأشاع ببوله إشاعةحذف به وفرقه . وأشاعت الناقة ببولها واشتاعت وأوزغت وأزغلت كل هذا : أرسلته متفرقا ورمته رميا وقطعته ولا يكون ذلك إلا إذا ضربها الفحل . قال الأصمعي : يقال لما انتشر من أبوال الإبل إذا ضربها الفحل فأشاعت ببولها : شاع ، وأنشد :


                                                          يقطعن للإبساس شاعا كأنه     جدايا على الأنساء منها بصائر

                                                          قال : والجمل أيضا يقطع ببوله إذا هاج ، وبوله شاع ; وأنشد :


                                                          ولقد رمى بالشاع عند مناخه     ورغا وهدر أيما تهدير

                                                          وأشاعت أيضا : خدجت ، ولا تكون الإشاعة إلا في الإبل . وفي التهذيب في ترجمة شعع : شاع الشيء يشيع وشع يشع شعا وشعاعا كلاهما إذا تفرق . وشاعة الرجل : امرأته ، ومنه حديث سيف بن ذي يزن ، قال لعبد المطلب : هل لك من شاعة ؟ أي زوجة لأنها تشايعه أي تتابعه . والمشايع : اللاحق ; وينشد بيت لبيد أيضا :


                                                          فيمضون أرسالا ونلحق بعدهم     كما ضم أخرى التاليات المشايع

                                                          هذا قول أبي عبيد عندي أنه من قولك شايع بالإبل دعاها . والمشيعة : قفة تضع فيها المرأة قطنها . والشيعة : شجرة لها نور أصغر من الياسمين أحمر طيب تعبق به الثياب ; عن أبي حنيفة كذلك وجدناه تعبق بضم التاء وتخفيف الباء ، في نسخة موثوق بها ، وفي بعض النسخ تعبق بتشديد الباء وشيع الله : اسم كتيم الله . وفي الحديث : الشياع حرام ; قال ابن الأثير : كذا رواه بعضهم وفسره بالمفاخرة بكثرة الجماع ، وقال أبو عمرو : إنه تصحيف ، وهو بالسين المهملة والباء الموحدة ، وقد تقدم ، قال : وإن كان محفوظا فلعله من تسمية الزوجة شاعة . وبنات مشيع : قرى معروفة ; قال الأعشى :


                                                          من خمر بابل أعرقت بمزاجها     أو خمر عانة أو بنات مشيعا

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية