الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين

                                                                                                                                                                                                [ ص: 329 ] أولي أغير الله : همزة الاستفهام دون الفعل الذي هو : " أتخذ" ; لأن الإنكار في اتخاذ غير الله وليا ، لا في اتخاذ الولي ، فكان أولى بالتقديم ; ونحوه : أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون [الزمر : 64] آلله أذن لكم [يونس : 59] ، وقرئ : فاطر السماوات : بالجر ، صفة لله ، وبالرفع على المدح .

                                                                                                                                                                                                وقرأ الزهري : " فطر" ، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - : ما عرفت ما فاطر السماوات والأرض ، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي : ابتدعتها وهو يطعم ولا يطعم : وهو يرزق ولا يرزق ; كقوله : ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون [الذاريات : 57] ، والمعنى : أن المنافع كلها من عنده ، ولا يجوز عليه الانتفاع ، وقرئ : " ولا يطعم" ، بفتح الياء .

                                                                                                                                                                                                وروى ابن المأمون عن يعقوب : " وهو يطعم ولا يطعم" ، على بناء الأول للمفعول ، والثاني للفاعل ، والضمير : لغير الله .

                                                                                                                                                                                                وقرأ الأشهب : " وهو يطعم ولا يطعم" ، على بنائهما للفاعل ، وفسر بأن معناه : وهو يطعم ، ولا يستطعم .

                                                                                                                                                                                                وحكى الأزهري : أطعمت ، بمعنى : استطعمت ; ونحوه : أفدت ، ويجوز أن يكون المعنى : وهو يطعم تارة ، ولا يطعم أخرى على حسب المصالح ; كقولك : وهو يعطي ويمنع ويبسط ويقدر ويغني ويفقر أول من أسلم ; لأن النبي سابق أمته في الإسلام ; كقوله وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين [الأنعام : 163] ، وكقول موسى : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين [الأعراف : 143] ولا تكونن ، وقيل : لي لا تكونن من المشركين ومعناه : أمرت بالإسلام ، ونهيت عن الشرك ، و من يصرف عنه : العذاب ، : يومئذ فقد رحمه : الله الرحمة العظمى ، وهي النجاة ; كقولك : إن أطعمت زيدا من [ ص: 330 ] جوعه ، فقد أحسنت إليه؟ تريد : فقد أتممت الإحسان إليه ، أو ، فقد أدخله الجنة ; لأن من لم يعذب ، لم يكن له بد من الثواب .

                                                                                                                                                                                                وقرئ : " من يصرف عنه" ، على البناء للفاعل ، والمعنى : من يصرف الله عنه في ذلك اليوم ، فقد رحمه ، بمعنى : من يدفع الله عنه ، ويحفظه ، وقد علم من المدفوع عنه ، وترك ذكر المصروف ; لكونه معلوما أو مذكورا قبله ، وهو العذاب ، ويجوز أن ينتصب " يومئذ " بـ “ يصرف " انتصاب المفعول به ، أي : من يصرف الله عنه ذلك اليوم : أي : هوله ، فقد رحمه ; وينصر هذه القراءة قراءة أبي - رضي الله عنه - : " من يصرف الله عنه" .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية